lundi 11 septembre 2017

الإخبار بصدور سراج المريدين لأبي بكر بن العربي المعافري

 

الحمد لله رب العالمين، وبه أستعين، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجميعن.

وبعد:

فقد صَدَرَ لي -بتحقيقي وعنايتي- عن دار الحديث الكتانية العامرة؛ كتاب: «سراج المريدين في سبيل الدين، لاستنارة الأسماء والصفات، في المقامات والحالات، الدينية والدنيوية، بالأدلة العقلية والشرعية؛ القرآنية والسُّنِّيَّة، وهو القسم الرابع من علوم القرآن في التذكير»، إملاء إمام الأئمة وزَيْن الملة الفقيه الحافظ الناقد أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المعافري الإشبيلي رضي الله عنه، المتوفَّى عام 543هـ، في ستة أسفار؛ في قريب من ثلاثة آلاف صفحة، مُحَقَّقًا على عَشْرِ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ، إحداهنَّ عليها خَطُّ الإمام ابن العربي.

وهو كتاب لم يؤلف في الإسلام مثلُه، ولم ينسج أحدٌ على وَفْقِ نَسْجِه؛ فريدٌ في بابه، فريد في فصوله، فريد في معانيه، فريد في نكته، فريد في تحقيقاته، آية من آيات الله على رفعة هذه الأمة، وعلى جلالة علمائها.

 وقصد الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي في هذا «السراج» إلى النظر في علم التذكير، وهو علم موضوعُه تزكية النفس؛ وترقيتها في المقامات والأحوال، والأسماء والصفات، وما ينبغي لها أن تتحلَّى به، ونَظَمَهُ على نمط بديع في الترتيب، مراعيًا محجة التأليف، ونسق التصنيف، مع المناسبة بين الأسماء، وما تحتها من معاقد الأبواب.

وجعله في بابين كبيرين:

الأوَّل: قسم المقامات، وهي أربع مقامات، وهي: السِّفْرُ الأوَّل من الكتاب.

الثاني: قسم الأسماء والصفات، وهي: مائة وخمسة وعشرون اسمًا وصفة، وهي: السِّفْرُ الثاني، والثالث، والرابع.

وعمل معي في هذا الكتاب أخونا المقرئ البحَّاثة الأديب العَرُوضِي سيِّدي محمد صالح المَتْنُوسِي، فخرَّج أشعاره، وبيَّن بحورها، وتفنَّن في ذلك التفنن البليغ، حفظه الله للعلم والعلماء، وأوزعني بِرَّه وحُسْنَ صحبته.

وبلغت عدة الأحاديث التي خرَّجتها وبيَّنت درجتها؛ صحةً وضعفًا، وتعليلًا ونقدًا، 2500 حديث، ومن الآثار: 2000 أثر، وأمَّا أقوال المفسرين وأنظار المتكلمين وإشارات المتصوفين فهي بحر خضم، وسيل جارف، وفَّقني الله للكشف عن مصادرها ومواضعها، بعد جهد وعناء، وشدة بحث وتعب.

وقد قدَّمنا للكتاب بدراسة جاءت في سِفْرٍ يحمله فَرَس، ويضيء كالقَبَس، ذكرنا فيه: زمن إملائه، وبواعث تصنيفه، وموضوعه وفنه الألصق به، ومحاسنه ومزاينه؛ وجعلناها في اثني عشر قُطْبًا، وكل قطب في فصول، وكل فصل في مباحث، وكل مبحث في مسائل، وكل مسألة في فروع، وهكذا إلى أن يكتمل الكلام، ونقضيَ المفترض، وننفذ إلى الغرض.

وذكرنا فيه -أيضًا- نظامَ ترتيبه، وأساس تقريبه، وفيه فصول مبتكرة، وأفهام منتخبة، وأنظار لم يقع الكشف عنها إلَّا فيه، مع اللفظ الجزيل، والمعنى الفخيم، والتحليات المنشودة المرصودة.

ثم ذكرنا مصادره، وهي بإحصائنا قد ناهزت السَّبْعِينَ، وفيها ما استخرجناه بالمناقيش، ومنها ما لم يكن معروفًا من قبل، وذكرنا أسانيده إليها، نَحَتْنَاهَا نَحْتًا، واستنجثناها من الحَجَرِ الصَّلْدِ، وتتبَّعناها في دواوين لم يقع الكشفُ عنها من قبل، ومعها النادرة المستعذبة، والنافلة المستجلبة.

ثم جعلنا بعده فصلًا ترجمناه باسم «طبقات المفيدين من السراج وأعيانهم»، ذكرنا فيه من نَقَلَ من السراج، ومن أفاد، ومن احتفى واحتفل، ومن اعتنى فما انفتل، وأحصيناهم واحدًا واحدًا، من زمان القاضي أبي بكر إلى يوم الناس هذا، ورتَّبناهم على الطبقات، وذكرناهم ومواضعهم، آيةً على ارتفاع «السراج»، ودلالةً على مكانته ومنزلته، وما رفعه الله لا يضعه أحدٌ من العالمين.

وذكرنا نَقَدَةَ «السراج»، وعقدنا أبوابًا في النظر في جملة منقودهم، وأثبتنا من كان معه دليله، ورَدَدْنَا ما كان ضعيفًا غير معتبر.

وبعده ذكرنا رُوَاةَ السراج، ومختصريه، ومُحَشِّيه، وذكرنا من كان مالكًا لنسخه عارفًا بها، ومن كان متشوفًا إليها متشوقًا.

وبعده ذكرنا نُسَخَنَا العَشَرِيَّة، ووصفناها وأطلنا في ذلك، بما فتح الله علينا في هذا الباب، وقد جاء فصلًا مُمْتَدًّا، مع ما تضمَّنه من قواعد التحقيق ونفائس التدقيق.

وسادسُ هذه الأسفار جعلناه خالصًا للفهارس، وهي 25 فهرسًا، ذكرنا فيها مستغربات «السراج» ومستعذباته، ومشيخته، ومشاهداته، وأشعاره، والأحاديث التي ضعَّفها وأعلَّها، وفهرس الحدود والتعريفات، وغيرها من علوم «السراج».

هذا وسيكون «سراج المريدين»  -إن شاء الله- حاضرًا في معارض الكتب القادمة، وننتظر وصوله في وقت قريب لنحتفي به أَبَرَّ احتفاء وأحفله، ولو حقَّقه غيري لقُلْتُ فيه أَكْثَرَ من قولي.

وأذكرُ جمعًا من أهل العلم كان لهم فضل كبير في إخراج هذا الكتاب، وهم:

أستاذنا العلَّامة الدكتور أحمد شوقي بِنْبِين؛ مدير الخزانة الملكية.

وصاحبنا  البحَّاثة الدكتور الشريف حمزة الكتاني.

وصاحبنا الأستاذ البحَّاثة الشريف خالد السباعي.

والدكتور البحَّاثة توفيق العبقري؛ الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش.

والدكتور البحاثة رضوان الحَصْرِي.

وغيرهم من إخواننا وأصحابنا ومُحِبِّينَا؛ وفضلهم لا ينكر، ومعروفهم يشكر ولا يكفر، نفعني الله بصحبتهم، وجعلني بارًّا بهم.

والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 وكتبه الدكتور عبد الله التَّوْرَاتِي، بمحروسة تطوان، من عام 1438هـ.