jeudi 28 septembre 2017

نسخ سراج المريدين1:

من النسخ المعتمدة في تحقيق سراج المريدين لأبي بكر بن العربي؛ نسخة بلغت الغاية في الإجادة والإتقان، كتبت بخط أندلسي مليح عتيق، تكاد حروفها وكلماتها تنطق بالحق؛ لجلالة ناسخها، وفرادة كاتبها، وهي من محفوظات مكتبة دير الإسكوريال بإسبانيا، ولعلها من جملة كتب الحافظ ابن رشَيد السبتي المتوفى عام 721هـ.


التكملة لكتاب الصلة

للمحدث العلامة أبي عبد الله بن الأبار البلنسي

وهذه النسخة كتبت لأمير منورقة أبي عثمان سعيد بن حكم، كتبها له المحدث الضابط ابن الجلَّاب، وذلك في عام 661هـ، وتحت طرة العنوان تقييد بذلك كتبه الفقيه محمد بن أبي بكر التلمساني، شهر بالبُرِّي.

ثم صار الكتاب إلى ابنه الأمير حكم بن سعيد.

والنسخة من نوادر الخزانة الحسنية بالمغرب، وقد صوَّرها محافظ الخزانة الحسنية العلامة الدكتور أحمد شوقي بنبين للدكتور بشار عواد معروف واعتمدها في نشرته للكتاب.

 

الفرائد المرويات في فوائد الثلاثيات

مما ألفه الفقيه العلامة المحدث أبو عبد الله ابن الحضرمي المروي، وهو كتاب في شرح ثلاثيات الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وفيه فوائد عديدة، وأسانيد كثيرة، وتعريف بمشيخة الحديث بالمغرب والأندلس، وقد طبع الكتاب طبعة سقيمة، لا أثر فيها للاعتناء والتحقيق. 



mercredi 27 septembre 2017

شيء من جلد ابن العربي في رحلته: 

 قال إمام الأئمة الحافظ أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: (ودعت الضرورة أن أمشي راجلا من فيد إلى الكوفة؛ خمس عشرة مرحلة؛ لموت الجمال، ومعنا الكراء لو وجدنا الجمال، لكن الطاعون استولى عليها، ورمينا جميع ما كان معنا، ولم يبق علي إلا لباسي، وكنت أمشي مع أصحابنا الطلبة نتناظر ونتذاكر ونتسلى على الرجلة النهار كله، حتى إذا جاء الليل وقعت على اسم الميت، وأوقدنا النار، وقطعنا لحم أرجلنا، وكويناها بالشحم، وربطناها بالخرق، وكنت أضطجع وأقول: هذا مرقدي الذي يبعثني الله منه، وأنام، فإذا أصبحت وجدت خفة؛ وكأني لم أكن رجل البارحة، فإذا أخذت في المشي عادت قوتي، وتصلب لحمي الأحمر عند مشيتي، وكانت هذه عادتي في نهاري وليلتي).

مناجاة رسول الله عليه السلام: 

قال إمام الأئمة أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: ويعقب الحج الهجرة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والوقوف ببابه الكريم، ومناجاته على قرب، والتعرف بروضته المقدسة، قال علماؤنا هم أحياء، يعلمون الداخل والخارج، وقال ابن العربي في روضة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولقد وصلت إليها والحمد لله، وأشرفت من الثنية، ورأيت النور ساطعا إلى السماء بفضل الله، وصليت في الروضة، وناجيت الرسول وحدي ليلا من جهة رأسه، وتسميت له، وتشفعت به، فنسأل الله الذي يختص برحمته من يشاء، ويمن على من يشاء من عباده، أن لا يجعل ذلك عناء، ولا يصيره هباء، بفضله ورحمته.

كتب (القبلة) لمالكية المغرب: 

قد علم الخلاف الكبير في شأن القبلة وما جرى عليه المغاربة في محاريبهم؛ ولكل نظره الخاص الذي ينصره؛ ولكن هناك كتب لم تعرف، أو لم تذكر في كتب التراجم رأيت ذكرها لتعلم، وهي: 

1- رسالة في القبلة للإمام ابن أبي زيد القيرواني، وهي من أواخر مؤلفاته، ولم يذكرها له من ترجمه من السالفين والخالفين، ذكرها له أبو علي المتيجي في دلائل القبلة. 

2- كتاب القبلة للداودي -شارح البخاري-، وهو أيضا من الكتب التي لم يذكرها له من ترجمه، وذكره له أبو علي المتيجي، وجلب كثيرا من نصوصه، ونقد غالبها. 

3- كتاب القبلة لأبي الفضل بن النحوي التوزري، وهو كتاب حافل في فنه، ولكن بناه على الهندسة، فقل من يفهمه، ذكره أبو علي المتيجي وأفاد منه. 

4- دلائل القبلة لأبي عبد الله المتيجي، وهو من شيوخ القاضي عياض، ذكره عرضا في الغنية، وفي كتابه ما يدل على عظم شأنه عند المرابطين، وفيه حديث نادر عن مساجد المغرب الأول، ومساجد الخلفاء بالقصور، واعتنائهم بتحري القبلة فيها. 

5- كتاب القبلة لأبي علي الهسكوري: وهو مختصر من كتاب المتيجي، له نسختان بالخزانة العامة بالرباط، وطبع ببرشلونة عام 1420هج. 

وهناك تقاييد كثيرة في القبلة لم أشأ ذكرها، وغالبها للمتأخرين من علماء فاس وفقهائها، هذا الذي ظهر لي والله أعلم.

أنوار الفجر في مجالس الذكر

من الكتب التي فجعت الأمة المسلمة به، فضياعه حسرة وأية حسرة، أملاه الإمام ابن العربي في عشرين سنة ونيف، وهو أصل كثير من كتبه، ومنه استخرج (الأحكام)، و(السراج)، و(الناسخ والمنسوخ)، وظهر لي أنه صنفه على الأبواب، وجعله كتبا، وكثير من الكتب التي يذكرها القاضي هي من مباحثه ومطالبه، وهو كتاب وسيع لم يعرف في الإسلام مثله، ولا اسطاع أحد أن يقاربه، بله أن يجاوزه، والله ثم والله ما اكتحلت عين عالم بمثله، وهو مفخرة الإسلام، وبه وبأمثاله تعلو هذه الأمة على غيرها من الأمم، خصلة شريفة، ودرة منيفة، ركن قائم، وعز دائم، ويكفيك تنبيها على مكانته، أن من آيات الكتاب الحكيم ما جعل تفسيره في سفر ضخم، ينوء بحمله أولو القوة وذوو المرة، ومن غرائب ما تضمنه تفسير قوله تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين)، قال القاضي: (قد جمعناها ألف آية، وأمليناها عليكم في أنوار الفجر مجردة، لمن يريد الاعتبار بها)، فيا لله، ما هذا العجب؟ وما هذا العلم الذي يبلغ بصاحبه أن يملي في كلمة من آية ألف نكتة؟ ما علمنا هذا في طوق البشر؛ إلا أن يكون من الملهمين المفهمين، (يوتي الحكمة من يشاء)، فرحم الله القاضي، ورحم الله فنونه وعلومه.

 

(تفسير المشكلين)

من أوسع كتب الإمام أبي بكر المعافري هذا الكتاب، وهو مصنف جعله الإمام لبيان ما أشكل على الناس من كلام الله تعالى وكلام نبيه عليه السلام، ولم يجعله خاصا بفن من الفنون، بل ضمنه مسائل الاعتقاد والفقه، وهو من أوائل مصنفاته، ونثر كثيرا من مسائله في (الأمد الأقصى)، (والمتوسط في الاعتقاد)، (وأحكام القرآن)، (والعارضة)، وغيرها من مصنفاته الكبار، ولم يمله كما فعل في كتبه اللاحقة، خصوصا (أنوار الفجر)، بل صنفه كما صنف أوائل كتبه، فأحكم مباحثه، وعقد أبوابه، ونبه فيه على مزالق المتكلمين في القرآن من غير إحكام لعلوم التنزيل، خصوصا المفسرين، وأهل اللغة، وضعفة المتكلمين، وقد وقفت على أوراق أحسبها منه، وهو غاية في التحقيق والتحرير، مع طول النفس، وفي رده يستوفي الأقوال ويحصيها، مع ضم النظير إلى نظيره، والشيء إلى مشاكله، والفرع إلى أصله، يسر الله الوقوف عليه تاما مكملا، لتطمئن به أفئدة الموحدين، وتسخن منه أعين المشككين، آمين يا رب العالمين.

كتاب (الأنبياء) لابن العربي

من أكثر ما اعتنى به الإمام ابن العربي تنزيه مقام النبوة عن مطاعن الملاحدة وأباطيل جهلة المفسرين، وقد تتبع مواطن الزلل التي كانت موضعا لبث جهالات تقدح في عصمة الأنبياء، ومنها روايات كثيرة تروج في كتب المفسرين والمبطلين، وتناول القاضي هذه القواصم بالبيان والنقد والنقض في كتبه الكبار، أغلب مادتها في (أنوار الفجر في مجالس الذكر)، ثم كتاب (المشكلين)، ثم كتاب (المتوسط)، وكتاب (المقسط)، ونثر فصولا منها في (العارضة)، و(القبس)، و(المسالك)، وجعل لها كتابا مفردا لما طعن به على نبينا سيدنا محمد عليه السلام، وهو (تنبيه الغبي على مقدار النبي)، ويكثر ابن العربي في مصنفاته من ذكر كتاب (الأنبياء) والإحالة عليه، وبعد نظر ظهر لي أنه باب من أبواب (أنوار الفجر)، وقد نبهت من قبل على أن (أنوار الفجر) مصنف على الأبواب، ويعبر بالكتاب عن الباب، والله أعلم.

هل يحتاج كتاب ترتيب المسالك إلى تحقيق جديد؟ 

فرح أهل العلم بخروج كتاب (المسالك) للإمام ابن العربي فرحا كبيرا، وهو في أصله رسالة دكتوراه نوقشت بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنجزها الفاضلان الأستاذ محمد السليماني وأخته، وأثناء التردد على الكتاب كنت أقف على ما أعتبره من الأخطاء التي لا يخلو منها كتاب كيفما كان علم محققه، ومرت الأيام ووقع بيدي كثير من أصول مؤلفات ابن العربي، وفيها نسخة نفيسة من (المسالك)، وبحكم اعتنائي بكتبه كنت أرجع كثيرا إليه، وهالني أن كثيرا من تلك الأخطاء التي كنت أقف عليها من قبل لم تكن ناشئة عن أخطاء الطباعة أو راجعة إلى الذهول والنسيان، بل كثير منها مرده إلى سوء القراءة أو العجلة فيها، بل وكثير منها جاء على الصحة في نسختي من (المسالك)، وما أثبته المحققان تصحيف وتحريف لا معنى له، بل وفي كثير من تلك التصحيفات التي ظنها المحققان الحق الذي لا حق غيره كان يسعيان إلى تفسيره وشرحه، ولا يكون التصحيف تصحيفا حتى يفسر، وهذا جعلني أشك في أن المحققين قد رجعا إلى كل تلك النسخ التي وصفاها في تقدمة الكتاب، ولست أنكر فضل المحققين، ولكن ما ذكرته يستوجب الوقوف طويلا لتبين الأمر، وللإجابة عن السؤال الممض؛ هل يحتاج كتاب المسالك إلى تحقيق جديد؟

فائدة في مؤلفات ابن العربي: 

 كتب ابن العربي التي لم يوقف لها على خبر كثيرة، والكتب التي يحيل عليها في كتبه لا تقل عنها، غير أن هناك أمورا تتعلق بها ينبغي التفطن لها؛ وأهمها: 1- كون الكتاب له أسماء عديدة؛ فكتاب (النيرين في شرح الصحيحين) له أسماء عدة، فهو (الكتاب الكبير)، و(شرح الصحيحين)، و(الصريح في شرح الصحيح)، و(شرح الحديث)، فلا ينبغي أن تعد كتبا مختلفة. 2- كون الكتاب جزءا من كتاب آخر، فبعض الكتب هي فصول من كتابه (أنوار الفجر) أو (النيرين)، ككتاب (الأنبياء) الذي يحيل عليه في (الأحكام). 3- وقوع التصحيف في بعض أسماء كتبه، فقد عد الدكتور السليماني (كتاب الأمر) من كتب القاضي، حمله على ذلك ما في المنشور من (القبس)، والصواب فيه: (الأمد)، وكثيرا ما تختلط الدال بالراء عند النساخ. وقد يضاف إلى ما ذكرنا أشياء أخرى وقواعد تعين على تبين ماهية مؤلفات ابن العربي، والله أعلم.

💐🌰تتمة تغريدات الأستاذ عبد الله التوراتي حول محاسن "سراج المريدين" للإمام ابن العربي المعافري رحمه الله:
68-‏من محاسن (سراج المريدين): حديثه عن ركب الحاج ببغداد، وموضع تجمعه وسيره، وما يعطى للأجناد التي تحرسهم.
69-‏‏‏ومن محاسن (سراج المريدين): حديثه عن نساء بغداد، وعفتهن، ومعرفتهن بالشعر، وما جبلن عليه من خلال السؤدد والشرف.
70-‏ومن محاسن (سراج المريدين): حديثه عن جود الأغنياء بالمشرق، وذكره لمواساتهم للعلماء والطلبة وأهل الديانة، وما لهم من الحرمة والتعظيم.
71-ومن محاسن (سراج المريدين): حديثه عن أدب عامة بغداد؛ من الفاميين والسقائين، وما خصوا به من المعرفة، وما رزقوه من خصال الخير والبر.
72-‏‏ومن محاسن (سراج المريدين): حديثه عن مآثر خواجا بزرك؛ وما بناه من المدارس، وما رتبه للعلماء من الأوراق والأرزاق، وتعظيمه للزهاد والعباد.
73-‏ومن محاسن (السراج): حديث ابن العربي عن وفاة والده، وغربته بين أهله وولده وجيرانه، وما لقيه من علماء بلده؛ مع حسدهم له، وعدم اعترافهم به.
74-‏ومن جود ابن الحداد الأصفهاني: فرضه للعلماء والطلبة أموال معلومة؛ على قدر رتبهم في العلم، ونثره للدنانير على عامة بغداد، في أطباق معدة لذلك.
75-‏ومن عجائب (السراج): ما ذكره من جود ابن الحداد، وفيه: فرأينا الطعام واحدا على كثرة الأطباق، وطعمها مختلف، ومعنا أبو حامد الطوسي وأخوه.
76-‏ومن مجالس التذكير التي حضرها ابن العربي مجلس ابن عبد الملك التنيسي، في مكة المعظمة، من صلاة العشاء إلى الفجر، في ليلة من ليالي دجنبر.
77-‏ومن فوائد (السراج): حديثه عن خروج أبي بكر بن داود الظاهري لتوديع أحد أصحابه، حتى بلغ إلى ذات عرق، ثم رجع، قال: (لأنه لا نية لي في الحج).
78-‏ومن فوائد (السراج): حديثه عن المجاعات، وأحكامها، وما يلزم الولاة والأغنياء في ذلك، ونقده لبخل الأندلسيين، واعتلالهم في ذلك بعلل باردة.
79-‏ومن فوائد (السراج): مناظرات ابن العربي للعلماء؛ كمناظرته لقدري في عذاب القبر، ومناظرته لابن عقيل في رؤية الله يوم القيامة، ومناظرته للسمرة.
80-‏ومن محاسن (سراج المريدين ): الاستقصاء في تتبعه للأقوال، ففي إحدى الآيات ذكر فيها خمسين قولا ووجها، مع التعليل والتدليل.

 

هذه مجموعة تغريدات الأستاذ عبد الله التوراتي حفظه الله حول تحقيقه لكتاب " سراج المريدين" للعلامة أبي بكر بن العربي المعافري رحمه الله جمعتها ليسهل تداولها بين الباحثين ومحبي التراث💐💐
🌰📌📌محاسن سراج المريدين:
قال الاستاذ التراثي:
1-صدر عن دار الحديث الكتانية كتاب (سراج المريدين) للإمام ابن العربي، في ستة أسفار، في قريب من ثلاثة آلاف صفحة، محققا على عشر نسخ خطية.

2-‏من النسخ التي اعتمدناها في تحقيق (سراج المريدين) نسخة عليها خط ابن العربي بالقراءة والسماع في رجب من عام 537هج، وهي من كتب الحافظ الكتاني.
3-‏قال الحافظ ابن دحية في سراج المريدين لابن العربي: (هذا الكتاب فيه علم جم، وهو من أعظم تواليفه وأجلها).
4-‏من النسخ الجليلة التي اعتمدناها في تحقيق كتاب (سراج المريدين) للإمام ابن العربي، كتبت عام 720 هج.
5-‏في (سراج المريدين) الكثير من الأحاديث والأشعار والحكايات المسندة، وفيه تراجم وأخبار لعلماء أخلت بذكرهم كتب التواريخ والطبقات.
6-‏من النسخ التي اعتمدناها في تحقيق (سراج المريدين)، كتبت في رمضان عام 596هج، ناسخها الإمام المقرئ ابن الفنكي القرطبي، نسخها بدار السنة بدمشق.
7-‏عول ابن العربي في سيرة الزهاد في (سراجه) على ثلاثة كتب؛ الزهد للإمام أحمد، و الزهد لابن المبارك، والزهد لهناد، وقال: (هذه أصح كتب الزهد).
8-‏على غير العادة عند العلماء في تآليفهم؛ ذكر ابن العربي مصادره التي أفاد منها في (سراجه)، وعد منها كتبا في الحديث والفقه واللغة ومسائل الخلاف.
9-‏وفي (سراج المريدين) ذكر لمدارس العلم، ومشاهد الذكر، ومعتكف الصالحين، وفيه من أخبار بيت المقدس وعجائبه الشيء الكثير، مما لا يوجد في كتاب آخر.
10-‏لم يكن ابن العربي راغبا في العودة إلى الأندلس، وذكر في (سراجه) أن سبب عودته بره بوالدته؛ فقد كانت حسرى باكية عليه، إذ لم يكن لها غيره.
11-‏ومن كتب الزهد المنتقدة في (السراج)؛ كتاب تنبيه الغافلين لأبي الليث، وسبل الخيرات لابن نجاح، والمصباح والداعي إلى الفلاح لنصر بن إبراهيم.
12-‏من رواة (سراج المريدين) لابن العربي ولده عبد الله، قرأه عليه عام 537هج، وقتل ولده هذا من قبل الموحدين عام 541هج، وثكله والده، وصبر عليه.
13-‏من رواة (سراج المريدين) أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن حبيش، ويرويه عنه أبو الربيع سليمان بن سالم الكلاعي.
14-‏من المسائل التي قررها ابن العربي في (سراجه) مسألة القراءة بالألحان، وبين أثرها على القلب، وحكى عجائب القراء ببلاد المشرق، وذكر أسماءهم.
15-‏قال ابن العربي في (سراج المريدين) يصف وعاظ بغداد: (وعاداتهم ألا يرقى المنبر إلا عالم).
16-‏ومن طرائق الوعاظ ببيت المقدس أن يتحلق القرأة بالواعظ، ويتلون الآي مناوبة، كلما أراد الواعظ آية أو مقطعا أشار إلى أحدهم، وهكذا.
17-‏من الأخبار التي تفرد بها (السراج) حجة الإمام الدامغاني، وكل مصادر ترجمته تقول: (إنه لم يحج).
18-‏ومن طرائق الوعاظ التي ذكرها ابن العربي في (سراج المريدين) استعانة الواعظ ببعض الحاضرين لتمثيل كلامه بالحركة والفعل؛ حتى يراه الناس عيانا.
19-‏من محاسن (سراج المريدين) حصره للحديث الصحيح الوارد في الباب، كما فعل في أحاديث العلم، وأحاديث الجنة والنار، وأحاديث الصبر، وغيرها.
20-‏في (سراج المريدين): أكثر لباس أهل الأندلس الأغبر والأسود؛ لكثرة الأمطار والوحل، ثم لأنه من لباس أهل الصلاح، فزاحمهم فيه أهل اليسار؛ تشبها.
21-‏من الذين أعانوا ابن العربي في بغداد وأمدوه بالمال صاحبه ابن أبي حامد، وربما احتاج فباع كتبه وثيابه، ذكر كل هذا في (سراج المريدين).
22-‏وفي اسم (الغريب) ذكر ابن العربي غربة العلماء، وذكر غربة عدد من الرحالين؛ منهم: بقي بن مخلد، وابن موهب، والباجي، وشرح حكايته مع أهل الأندلس.
23-‏ومن محاسن (سراج المريدين) تبرئة الأنبياء مما نسب إليهم في تفاسير العلماء، وتنزيههم، وبيان مقامهم، وبيان خطأ جهلة المفسرين والمؤرخين.
24-‏من نسخ (سراج المريدين) واحدة كانت بخزانة القرويين؛ ولا ذكر لها في فهرس مخطوطاتها، رآها فيها علامة بيت المقدس خليل الخالدي رحمه الله.
25-‏أخرج ابن العربي (سراج المريدين) في إبرازتين اثنتين، الأولى عام 537هج، والأخرى بعد ذلك، والتي انتشرت بين الناس وأفاد منها العلماء هي الأولى.
26-‏من دلائل احتفال العلماء بكتاب (سراج المريدين) إفادتهم منه في علوم وفنون مختلفة؛ كالفقه، والعقيدة، والتراجم، والأدب، والحديث، والتصوف.
27-‏بلغ عدد المفيدين -بإحصائي- من (سراج المريدين) خمسا وخمسين عالما، وبلغت عدة الكتب التي وردت فيها تلك الإفادات خمسة وسبعين كتابا.
28-‏ومن طرائق ابن العربي في (السراج) عند التفسير تتبع مورد الكلمة في القرآن كله؛ آية آية، حتى بلغت عدة الآيات التي تتبعها في اسم المتقي 188 آية.
29-‏من مشاهدات ابن العربي في (سراج المريدين ): المنجنيق الذي ألقي منه إبراهيم عليه السلام، وذكر أنه وجد عنده عالم من العباد والمتبتلين.
30-‏وفي (سراج المريدين): حديث عن مدينة نابلس، وسبب تسميتها بها، وبعض علمائها، وحديث عن مناظرته ليهود السمرة، وذكر أنهم كالمجسمة عندنا.
31-‏وفي سراج المريدين الكثير من مجالس العلماء وفوائدهم؛ بمكة المعظمة، وبيت المقدس، وبغداد، ودمشق، والمنستير، وغيرها من قواعد العلم شرقا وغربا.
32-‏وكشف لنا تحقيقنا لكتاب (سراج المريدين) الكثير من التصحيف في أسامي العلماء، خصوصا في كتب البرامج والفهارس؛ كفهرس ابن خير، وفهرس ابن عطية.
33-‏ومن أمثلة التصحيف في طبعة (المسالك) التي كشفها (السراج): ألا يشرب من العدوة، صوابها: العروة، ولا معنى للعدوة أبدا، والغريب أن المحقق فسرها.
34-‏ومن تصحيف طبعة (المسالك) التي كشفها (السراج): إذا كان الطعام نهرا، صوابه: نهدا، بكسر النون، وهو الطعام الذي يتشارك فيه.
35-‏ومن تصحيف طبعة (المسالك) التي كشفها (السراج): أن يقدم الخبز قبل ذلك بيوم، صوابه: الخبر، ولا معنى لتقديم الخبز؛ لأن الحديث هنا عن دعوة الناس.
36-‏قال بعضهم: (ولا يكون التصحيف تصحيفا حتى يفسر)، وكل الذي قدمنا من أمثلة التصحيف الواقع في طبعة (المسالك) فسره محققه.
37-‏ولم نكتف في كشفنا لتصحيف طبعة المسالك بنسخ (سراج المريدين)، بل عولنا على نسخة عتيقة من ترتيب المسالك، فوجدناها مجودة، مع أن المحقق اعتمدها.
38-‏ومن تصحيف طبعة (العواصم) التي كشفها (سراج المريدين): بقية السلسلة، صوابه: بقبة، ولا أدري كيف وقع هذا لمحقق (العواصم)؟
39-‏ومن تصحيف طبعة (الأحكام) التي كشفها (السراج): فقام لأخذ الثناء بها، وكذلك هي في طبعة (الجامع) للقرطبي، صوابها: فقام أحد التناء بها.
40-‏ومن تصحيف طبعة بشار معروف من (فهرس ابن خير:ص375) الذي كشفه (السراج: 56/3): محمد بن إسماعيل بن الجباب الحميدي، صوابه: ابن الحباب الحميري.
41-‏ومن التصحيف في طبعة (العواصم) الذي كشفه (السراج): أبو القاسم بن المنفرج، صوابه: المنفوخ، والغريب أنه ذكره في الحاشية، وهو من أطباء مصر.
42-‏ومن التصحيف في طبعة (المسالك) الذي كشفه (السراج): إذا كان فقارا، صوابه: قفارا؛ وهو الطعام الذي لا إدام معه.
43-‏ومن التصحيف في ملحق (العواصم) الذي كشفه (السراج): اللينين للفريابي، صوابه: السنن، وقال المحقق: لعله كتاب اللينين، كذا قال؟!!
44-‏ومن التصحيف في ملحق (العواصم) الذي كشفه (السراج): تعليقة الخنجر، صوابه: تعليقة الخجندي، ولا أدري كيف وقع هذا الخنجر هنا؟ غريب جدا.
45-‏ومن التصحيف في ملحق (العواصم) الذي كشفه (السراج): عذر الدرر، صوابه: غور الدور، وقال المحقق في الحاشية: ويمكن أن تقرأ: عزر؟! ولا أدري ما هذا؟
46-‏ومن التصحيف في طبعة (طبقات الشافعية) للسبكي الذي كشفه (السراج): الحلي -بتسكين اللام- في أصول الدين، صوابه: الجلي، وهو من كتب الإسفراييني.
📌***وقد احتوى كتاب (السراج) على محاسن شتى وخلال كثيرة:
47-ومنها: اقتصاره على الحديث الصحيح والحسن. 48-ومنها: اشتماله على التفسير المصيب.
49-ومنها: التأويل القوي، والاختيار الجلي.
50-ومنها: الأمثال السيارة، والحكايات المختارة، والأشعار المستعذبة.
51-ومنها: أخبار العلماء، وفيه حديث كثير عن مشيخته. 52-ومنها: حديثه عن معاهد العلم بالمشرق.
53-ومنها: حديثه عن مجالس الزهاد والعباد.
54-ومنها: حديثه عن نفسه، وما جرى له مع مشيخة إشبيلية. 55-ومنها: حديثه عن والده ووالدته.
56-ومنها: حديثه عن أصحابه ومن رافقه.
57-ومنها: حديثه عن عوائد المشرق والمغرب.
58-ومنها: حديثه عن عامة بغداد، وعامة الأندلس. 59-ومنها: حديثه عن ركب الحاج ببغداد وصفة خروجه، وما يعطى للأجناد والعساكر التي تحرسه. 60-ومنها: حديثه عن قبور الأنبياء ومواضعهم وقبور الصحابة وغيرها.
61-ومنها: حديثه عن سيرة العلماء بمصر أيام تغلب العبيديين. ومنها: حديثه عن طرائق القراء في مساجد مصر وبغداد وبيت المقدس.
62-ومنها: حديثه عن شهداء بيت المقدس من العلماء والصلحاء. 63-ومنها: حديثه عن حلق العلم المختصة بالنساء ببيت المقدس. 64-ومنها: حديثه عن سبب عودته إلى الأندلس. 65-ومنها: حديثه عن الكتب التي سمعها وقرأها ونسخها. 66-ومنها: الكثير والكثير مما دوناه في تقدمتنا، وهي في سفر، وسميناها: (برنامج السراج).
[جمعها محبكم ومجلكم: محمد بن محمد علوان السوسي المغربي]
في يوم السبت25 ربيع الأول 1438ه
والحمد لله رب العالمين.

مشيخة ابن العربي الخراسانية

من أكثر مشيخة الإمام ابن العربي تأثيرا فيه مشيخته الخراسانية؛ فهم الذين فتحوا له باب النظر في العلوم الملية؛ الأصلين، ومسائل الخلاف، وذلك أنه نفذ إلى أغراض متفقهة خراسان؛ بلدة بلدة، واحتوى على معاقدها، فنظم شتاتها، وجمع شملها، ونظر إلى طرقها المشتركة، وطرائقها المشتبكة، ولا يعلم من حاول ما حاوله الإمام ابن العربي من متفقهة المغرب، فكانت هاته المشيخة رافعة له معلية، وما رفعه الله لا يضعه أحد من العالمين.

محاسن سراج المريدين:

ومن محاسن (سراج المريدين) اقتصاره على الحديث الصحيح والحسن، وميله عن إيراد الضعيف والباطل، إلا ما ندر، وقد بينت تلك الأحاديث التي أوردها ابن العربي وهي من جنس الضعيف، وعددها قليل، وقد بلغت عدة الأحاديث التي أوردها ما يقارب 2500 حديث، غالبها من الصحاح والحسان، وأكثر الإمام الحافظ من النكير على المؤلفين في الزهد والمواعظ والتصوف لتنكبهم عن الأحاديث الصحاح، وتعويلهم على الأباطيل والمناكير، ولا أعلم كتابا احتفل فيه مؤلفه فتجنب الضعيف كما فعل الإمام ابن العربي، وهي سابقة لم تعقبها لاحقة، وبقي هذا الفن -فن التذكير- مشرعا للمتزيدين، وبابا يدخل فيه ما لا سند ولا وزن له.

من فوائد (فهارس السراج): 

فهرس خاص بالأحاديث التي ضعفها الإمام ابن العربي، وغير قليل منها يصححه بعض المتأخرين، وابن العربي في تلك الأحكام إنما يذكر ما استقر عليه الأمر في عصره، وما تداوله الحفاظ في مجالسهم ومصنفاتهم، وفيه كثير من نظره الخاص الذي وافق فيه غيره من الحفظة النقدة، وهو غير معني بما صار إليه المتأخرون في تقويتهم لبعض تلك الأحاديث الضعاف، وقد بينا منهج ابن العربي في الحكم على الأحاديث في (برنامج السراج)؛ وهي تقدمتنا للكتاب.

من فوائد (برنامج السراج): 

الخبر عن خزانة الكتب بمكناس، وهي خزانة لم يقع التعريف بها في الكتب المتخصصة بتاريخ دور الكتب بالمغرب، ورغم استبحار الفقيه العلامة الإمام شيخ شيوخنا الشريف سيدي محمد المنوني المكناسي يرحمه الله فإنه لم يذكرها في كتابه (دور الكتب بالمغرب)، وهو سبق خصنا الله به وادخره لنا، وقد ذكرناها في (برنامجنا)، ونقلنا نصا مهما في التعريف بها؛ وعلة ذكرنا لهاته (الخزانة المكناسية) أنها احتوت على أصل من (سراج المريدين) عليه طرر بخط الإمام الحافظ النظار مولانا أبي بكر بن العربي، وقد ذكرنا هذا الأصل، وذكرنا مستقره ومنزله، وعرفنا بصاحبه، ثم ذكرنا فرعه الذي انتسخ منه، والحمد لله على نعمه وأفضاله.

من فوائد (برنامج السراج):

الحديث عن رواية الإمام ابن العربي لكتاب (إحياء علوم الدين)، وذكر إقراء ابن العربي للكتاب، وذكر من روى عنه (الإحياء) من تلامذته وخاصته، ورغم منع المرابطين من تداول الكتاب ومدارسته إلا أن ابن العربي ظل يقرئه ويسمعه، ومن المدن التي أقرأه بها مدينة قرطبة، بعد عام 530هج، وأقرأه بإشبيلية، وعن ابن العربي انتشرت كثير من كتب الإمام الغزالي، بل إنه أدخل إلى الأندلس نخبتها، وكثير من الكتب ينفرد ابن العربي بروايتها، وعنه انتشرت، ويظهر هذا جلالة الإمام أبي حامد عند القاضي أبي بكر، رحمهما الله ورضي عنهما.

(الصريح في شرح الصحيح): 

وهو شرح للإمام ابن العربي على صحيح أبي عبد الله البخاري، ويخلط الناس بينه وبين كتاب آخر له جعله مفردا لشرح الصحيحين، وهو كتاب (شرح النيرين؛ البخاري ومسلم)، وله أسماء عدة، منها: (شرح الحديث)، و(الكتاب الكبير)، وأفاد أهل العلم من (الصريح) على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم، منهم: ابن أبي عزفة، وابن رشيد، وأبو زكرياء السراج، وغيرهم، وتوارد الناس على قول في شرط البخاري نسبوه إلى ابن العربي خطأ، وقد حققنا فيه وبينا عدم صحته في (برنامج السراج).

افتراء واختلاق: 

من كتب التراجم التي وردت بها ترجمة الإمام ابن العربي كتاب (بيوتات فاس) المنسوب لابن الأحمر، وهو في الحقيقة كتاب لقيط، تعاقب على تأليفه جملة من الناس، فيهم الطالب، وفيهم العامي، وضم في ترجمته للإمام ألوانا من الكذب والدس والافتراء، وأكثر ما ذكره مناقض للتاريخ ولواقع الحال، ويكفيه كذبا قوله: (إن كتاب العواصم سبب ثورة سفلة إشبيلية عليه)، وكتاب (العواصم) ألفه ابن العربي عام 536هج، وتلك الثورة كانت عام 529هج، قلت: يكفي هذا لبيان كذب ملفق تلك الترجمة الحاقدة على الإمام، والغريب أن بعض من اعتنى بالتاريخ نقلوها دون تحقيق أو نظر، وقد أفضنا في بيان كذبها ومناقضتها للواقع والتاريخ في (برنامج السراج)، وبينا سبب ثورة السفلة عليه؛ وأن ذلك كان بتحريض من أمراء السوء والفسوق بإشبيلية، لما ضيق عليهم الإمام ابن العربي الخناق راموا التخلص منه بتهييج العامة عليه، كما فعلوا بكثيرين، وقد شرح ابن العربي هذا في مقدمته لكتاب (سراج المريدين)، فلم يبق لأحد بعد كلام الإمام أي كلام.

(رحلة أبي بكر ابن العربي): 

كانت رحلة الإمام الحافظ رحلة محفوفة بكل ألوان المخاطر والحتوف، من أول خروجه من عدوة الأندلس، وما جرى له في البحر، ونجاته من الغرق، ومرة أخرى في مناظرته للباطنية، وأخرى في طريق عودته من الحج، بعد سيل جارف لم ينج منه كبير أحد، ومات أغلب الخلق، ويوم الدار؛ عند ما دخلت عليه داره، وأرادوا سفك دمه، فهدموا مسجده، وأحرقوا زواهر عمره من بنات أفكاره، وهي محن أربع، ولم يسلم من الخامسة، يوم سم من قبل أشياخ الموحدين، فمات شهيدا حميدا، وهكذا هو صاحب الهمة العالية، رحمه الله ورضي عنه.

(علم النظم؛ وهو القسم السادس من علوم القرآن): 

من الكتب التي ألفها الإمام ابن العربي كتاب في (علم النظم)، وهو قسم خامس من الأقسام التي جعلها لعلوم القرآن، ونظر فيه إلى المناسبة من أربع جهات؛ أولها: المناسبة بين الآي؛ مطلعها ومقطعها، وثانيتها: المناسبة بين السور، وثالثتها: المناسبة بين الآي المتشاكلة والمتناظرة في القرآن كله، ورابعها: المناسبة بين قصص الأنبياء، ولما لم يجد له حملة ختم عليه، ورده إليه، وجعله من قسم المضنون به على غير أهله، وقد كشف لنا عن هذا القسم -قسم النظم- كتاب (سراج المريدين)، ولم يسبق لعالم أن ألف كتابا في علم النظم من أول القرآن إلى خاتمته كما صنع الإمام، فكان هذا الفن من أوليات الإمام ابن العربي، ومما اختص به دونا عن العالمين.

(التأريخ بالميلادي في سراج المريدين): 

في كتب الأندلسيين خاصة تجد كثيرا من الحوادث التي أرخها أصحابها بالتأريخ الميلادي، ولا يجدون غضاضة في ذلك، وعلى نهجهم كان الإمام ابن العربي، ولأن ذكر التاريخ الهجري لا يخدم غرضه استعمل بدله التاريخ الميلادي لأنه أدل على المراد، ففي ذكره لمجالس الإمام محمد بن عبد الملك الصوفي في مكة المعظمة؛ وحتى يفهم القارئ عنه، ذكر أنه حضر مجلسا له في الذكر والتضرع من صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، في ليلة من ليالي كانون الأول، وأطول ما يكون الليل في هذا الشهر، فلأن هذا التاريخ يظهر مقصده استعمله، ولم ير حرجا في ذلك.

(بيوتات فاس) المنسوب لابن الأحمر: 

بينا في تقدمتنا لكتاب (سراج المريدين) التي ترجمناها باسم (برنامج السراج) أن هذا الكتاب لا تصح نسبته لابن الأحمر، وأنه كتاب لقيط، تعاقب على الدس فيه والزيادة في حروفه وكلمه عدد من أشباه العوام، وأكثر من سعى إلى الترويج له هم المستشرقون الفرنسيون؛ لأغراض لهم معلومة، ووصف هذه الكراريس بالكتاب خطأ منهجي وعلمي صرف، وسوءة لا ساتر لها، وهفوة لا لعا لها، وهو تقييد مجهول، خلو من الخطبة والمقدمة، ومع ذلك اعتمده التاريخيون من أهل زماننا، وكان هذا الكتاب ملقى في زوايا الإهمال حتى جاء من رفع من قدره، وإنما قلنا ذلك لأن هذا الكتاب عمدة من يريد الطعن في الإمام أبي بكر بن العربي -رضوان الله عليه-، ولنا عودة إليه تبين زيف كثير من مضامينه التي اكتتبها واكتذبها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ضرورة إحياء التراث المغربي والأندلسي

بقلم: الدكتور حمزة بن علي الكتاني:

مر في الأمة الإسلامية أعلام بعد السلف الصالح كانوا أمة لوحدهم، درسوا، وألفوا، وقضوا، وجاهدوا، وألفوا منهاجا فقهيا ودينيا كاملا، بحيث كانت لهم مدرسة متكاملة الجوانب؛ عقيدة وتفسيرا وأصولا وفقها وتصوفا، وتربية ودعوة إلى الله تعالى...بحيث لولا تصريحهم بانتمائهم لمذهب من المذاهب؛ لصح أن يعتبر لكل واحد منهم مذهب مستقل...

وقد عرف في المشرق أعلام على هذه الشاكلة، يعتبرون روادا في الفقه الإسلامي، والفكر والفلسفة الشرعية؛ كأمثال ابن تيمية وابن القيم، وابن قدامة، والسيوطي وأمثالهم...اعتنى المشارقة بنشر كتبهم وعلومهم، والتعريف بهم وبجهودهم من أجل خدمة الإسلام والمسلمين، وبلورة منهجهم التربوي والعلمي، بمختلف مناهجه ومداه وأبعاده...

كما برز في المغرب الإسلامي أعلام كذلك؛ موسوعيون، كتبوا والفوا، ودعوا إلى الله تعالى، وقضوا وشاوروا وجاهدوا في سبيل الله تعالى، ورحلوا وطافوا الدنيا في الجملة، واتسمت مؤلفاتهم بالإحاطة والموسوعية، بحيث يعتبر كل واحد منهم مدرسة متكاملة؛ كبقي بن مخلد، وابن حزم، والقاضي عياض، وعلي ابن القطان، وعمر ابن الزهراء، وأبي بكر ابن العربي المعافري...

غير أن هؤلاء الأعلام لم يحظوا بالعناية بنشر كتبهم والتعريف بها، وما اعتني به منها لم يحظ بالتحقيق المناسب، والدراسات الموسوعية، والدعاية العلمية بالقدر الذي حظي به إخوانهم من المشارقة، فجل هؤلاء ألفوا في التفسير والأصول والكلام والفقه بمختلف اختصاصاته، والدعوة إلى الله تعالى والتربية والتصوف...الخ، ولكن مناهجهم ومدارسهم لازالت تحتاج إلى الكثير من التعريف...ومن أهم أسباب ضعف الدراسات حول هؤلاء الأعلام أن جلها مشرقية، ومعتمدة على مصادر مشرقية، على أن كتابة المغربي في تراثه والتعريف به لن تكون أبدا ككتابة المشرقي؛ ضرورة أنه ابن المنطقة ومحيط بفلسفتها ومصادرها ومنابعها المعرفية أكثر من غيره...

وقد كنت تخصصت منذ نحو عشرين سنة وأكثر في تراث عائلة من العائلات العلمية، التي اتسم العديد من أعلامها بالموسوعية والتفرد والتفنن، والإتيان بالجديد المفيد؛ وهي: العائلة الكتانية، فقمت بنشر الكثير من تراثها والتعريف به، والدعوة إلى العناية به، وكتابة واستكتاب دراسات حوله، وكان ذلك في فترة التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، في وقت كانت العناية بالتحقيق ونشر التراث والبحث العلمي فيه في بلادنا ضعيفة جدا، بل شبه منعدمة...

غير أنه بعد دخول الألفية الثالثة برز مجموعة من الشباب الباحثين، المتخصصين، الذين اعتنوا بالبحث العلمي ونشر التراث، فأنتجوا وكتبوا ونشروا، ثم ازدادت العناية مع منشورات وزارة الأوقاف المغربية - التي لا ينكر أحد سبقها لهذا الميدان منذ فجر الاستقلال - والرابطة المحمدية للعلماء بمختلف مراكزها المتشعبة في المغرب، ما جعل التراث المغربي يخرج ويعرف به بطريقة لم يشهدها المغرب من قبل، وكثر الباحثون المعتنون بنشر التراث، المتخصصون والمبدعون، وانتشرت كتبهم مشرقا ومغربا..زد على ذلك شغف المطابع ودور النشر المشرقية بنشر هذا التراث والتعريف به، نظرا لجدة مواضيعه، ومناهجه، ومصادره وموارده، بحيث أصبح الباحث المشرقي يجد قضايا جديدة، وأساليب مستجدة ومصادر لم يكن يسمع بها من قبل، في مختلف مصادر المعرفة، الأمر الذي من شأنه التأثير المباشر في قضايا البحث العلمي والشرعي والثقافي والتاريخي في العالم الإسلامي...

وكان لدار الحديث الكتانية، وراعييها: الأستاذ خالد السباعي والأستاذ محمد الشعار، دور مهم في نشر التراث المغربي والأندلسي على حد سواء، سواء المخطوط والمطبوع، بتبنيها منهج وقضايا واهتمامات حافظ المغرب وإمامه الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني رحمه الله تعالى، فأدخلت إلى عالم المعرفة، في المغرب خصوصا، أنماطا من البحث والتراث لم تكن معهودة من قبل؛ خصوصا ما يتعلق بتصوير المخطوطات النادرة وإعادة نشرها بخطوطها التي كتبها أصحابها؛ فنجد مجموع البوصيري، ورسالة ابن أبي زيد، ومسند الدارمي مصورة بأعتق نسخها، وبخطوط أكبر الحفاظ وأوثقهم؛ وهو الأمر الذي يعتبر دعاية هامة للكتاب والمكتبة المغربية، ودعوة للعناية بها والاستفادة من ذخائرها...

ومن ضمن الأعلام الذين حظوا بالتعريف بهم، ونشر تراثهم، وقامت دار الحديث الكتانية مشكورة بذلك: القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي الإشبيلي ثم الفاسي وفاة وإقبارا؛ فقد نشرت - ومازالت تنشر - كتبه ومؤلفاته التي لم تكن نشرت من قبل، وجل الباحثين لم يطلعوا عليها، بل بعضها لم توجد له - بحسب البحث العلمي الراهن - سوى نسختين في العالم؛ كـ: "المتوسط في الاعتقاد والرد على أهل الزيغ والإلحاد"...فقد اعتمد فيه محققه الدكتور عبد الله التوراتي نسختين؛ إحداهما ناقصة، والأخرى تامة وعليها خط المؤلف القاضي أبي بكر ابن العربي رحمه الله تعالى...

ولا بد أن أنوه إلى أن "دار الحديث الكتانية" في عنايتها بنشر تراث هذا الإمام الكبير؛ وضعت تراثه بين يدين أمينتين، وعند باحث متخصص مثابر يقظ؛ هو الدكتور عبد الله التوراتي، المتخصص في الحديث النبوي، والباحث في التراث الأندلسي القديم، فخدم هذا التراث خدمة من طب لمن حب، وأصدر ثلاثة عناوين: "الأمد الأقصى في تفسير أسماء الله الحسنى"؛ طبع في مجلدين بالتعاون مع الدكتور أحمد عروبي، و"المتوسط في الاعتقاد"؛ في مجلد نفيس، وقريبا يصدر له: "سراج المريدين" في ستة مجلدات...وهذه الكتب كلها لم تكن نشرت من قبل، ولم يطلع عليها الأغلبية الساحقة من الباحثين والعلماء المتأخرين، وكثير من المتقدمين...

وقد اعتنى الدكتور التوراتي بمقابلة هذه الكتب على أصولها، وضبط نصوصها، وعزو آياتها، وتخريج أحاديثها، بل والرجوع إلى المصادر الأولى التي بنى عليها القاضي كتبه، وكثير من هذه الأصول فريد لا يوجد له في الدنيا سوى نسخة أو نسختين، فاستطاع بتوفيق الله تعالى، ثم إعانة قيمي الدار الوقوف عليها والإفادة منها، وتوضيح بناء نص المؤلف عليها سواء عزا أو لم يعز...

كما صدر هذه الكتب بدراسات واسعة، تبين قيمة الكتاب، وتضعه ضمن المنظومة المعرفية للمؤلف؛ فالقاضي أبو بكر ابن العربي كتب موسوعات شاملة، على منهج متكامل: كلاما وأصولا وتفسيرا وفقها وتربية وسلوكا، بحيث يعتبر صاحب مذهب ومدرسة متكاملة الأركان، فوضع المحقق تلك الكتب في مجالها المعرفي الذي شاءه لها المؤلف رحمه الله تعالى...

وكتاب "المتوسط في الاعتقاد"؛ هو كتاب فريد في بابه، تطرق فيه القاضي أبو بكر ابن العربي لجل أبواب العقيدة، تأصيلا، وتعريفا، وتحريرا، ومناقشة واستدلالا، وقد اعتمد في استدلالاته على أصول المتكلمين الأشاعرة، وكذا على مناهج أهل الحديث، فهو يدلل لكل أصل، ويعرف بمستنبطه من أين جاء، وينافح عنه من الكتاب والسنة، ويستخرج المفهوم العقلي الذي نتج عن تلك البنية المعرفية، وهو أسلوب بارع نتج عن خبرة القاضي بعلوم الكلام وعلوم السنة، التي تخضرم في دراستها بين المشرق والمغرب أثناء رحلته الواسعة للعراق والشام والحجاز ومصر والمغرب، ويحل الكثير من الإشكالات التي وضعها المنكرون على السادة الأشاعرة من جهة، ويقرب بين مدرستي الرأي والسمع من جهة أخرى...كما يرد على مختلف المدارس المبتدعة بالعلم والنظر والاستدلال، وبيان وجه فساد القول وبطلانه...

وقد صدر محقق الكتاب - كعادته - هذا الكتاب بمقدمة واسعة، استنبط فيها منهج المؤلف، ومصادره، وأثر كتابه، وأهم قضاياه وأبحاثه ومنهجه، ومن أفاد منه قديما وحديثا، كما استعرض ترجمة للمؤلف اعتنى فيها بإيراد ما لم ينشر من المصادر النادرة حوله، فجاء الكتاب بالجديد، وأفاد القاريء والباحث، وإنصافا للقول؛ فإن الدكتور التوراتي بهذه المادة الثرية التي أنتجها يعتبر باحثا متخصصا في القاضي أبي بكر ابن العربي، جاء بالجديد، وناقش من مضى، واطلع على ما لم يطلع عليه غيره فيه...وأي عمل يقوم به باحث في مجال القاضي أبي بكر ابن العربي عامة، وهذه الكتب التي أصدرها الدكتور التوراتي خاصة؛ لا يستقيم ولا يعتبر ما لم يطلع الباحث على هذه الأعمال التي قام بها الدكتور التوراتي، وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق جامعاتنا ومعاهدنا العلمية؛ أن تنتبه للسرقات العلمية التي يمكن أن تسطو على هذه الجهود المهمة للأستاذ التوراتي، والتي هي نتاج بحث وكد وتعب، وعلاقات علمية نسجها وبناها لسنين...تستحق التكريم والاعتراف بها...

كما أنوه إلى أن دار الحديث الكتانية، أيضا، أصدرت ضمن مشروعها في إحياء علوم القاضي أبي بكر ابن العربي؛ كتابا آخر له؛ وهو: "الرسالة الحاكمة، في مسألة الأيمان اللازمة"، وهو عمل آخر يستحق التنويه والإشادة من محققه الباحث الأستاذ يونس بقيان، الذي عمل جهده وأتقن إصدار هذا الكتاب والدراسة له..ومازالت مجموعة في طريقها للظهور بإذنه تعالى..وفق الله الجميع، وأعاننا جميعا على خدمة تراث أعلام المغرب وأئمتهم في السابق واللاحق، ورفع ما يثار عن الكثير منهم من شبهات وجهالات...آمين..

ولا يسعني أخيرا إلا الإشادة بمجموعة من الأعلام الأئمة المتأخرين الذين يستحقون التخصص في تراثهم ونشره والتعريف به؛ لشموليته وأهميته؛ كمحمد بن الحسن الحجوي، ومحمد بن محمد الحجوجي، وأحمد بن الخضر العمراني، والطيب بن عبد المجيد ابن كيران، وأبي حفص عمر بن عبد الله الفاسي الفهري، ومحمد بن عبد السلام الفاسي الفهري، وعبد الرحمن بن محمد الفاسي الفهري، وعلي الحريشي، ومحمد بن قاسم جسوس، والدلائيين عامة، ومحمد بن أحمد ابن غازي العثماني، وأضرابهم من الأئمة في كل جيل..عدا علمائنا الكتانيين؛ كجعفر بن إدريس الكتاني، وابنيه محمد وأحمد، ومحمد بن عبد الكبير الكتاني وعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، ووالدهما عبد الكبير الكتاني، والطاهر بن الحسن الكتاني، ومحمد الباقر بن محمد الكتاني، ومحمد المنتصر بالله الكتاني...الخ، فكل واحد من هؤلاء مدرسة متكاملة تستحق البحث فيها والاختصاص...موسوعية، وشمولا، وخدمة للإسلام وقضاياه، وعفة للسان، واحتراما لأئمة السلف والخلف ومقدسات الإسلام...

وفقنا الله جميعا للخير وأعاننا عليه...والحمد لله رب العالمين...

طبقات الحفاظ لابن الدباغ: 

من كتب الأندلسيين في طبقات المحدثين ما صنفه الإمام الحافظ الناقد أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن الدباغ المرسي، وكان من أعرف الناس بالحديث وأسماء الرجال وأزمانهم وثقاتهم وضعفائهم وآثارهم، ومن أشهر كتبه كتابه في طبقات الحفاظ، وهو في جزء، وقف عليه الذهبي وأفاد منه ورواه، وأفاد منه ابن عبد الهادي وغيره، وجعله في إحدى عشرة طبقة، بدأه بابن شهاب الزهري، وختمه بأبي طاهر السلفي، ومن الحفاظ الذين نص عليهم في كتابه الإمام الناقد أبو بكر بن العربي، وهو من شيوخه الذين لازمهم، ومن الذين طالعوه أخونا البحاثة الشريف خالد السباعي، وذكر أنه مكتوب بخط القسطلاني، ولابن الدباغ كتب أخرى منها برنامجه، وفيه العجب من مروياته، وأفاد من هذا البرنامج ابن الأبار في تكملته، توفي ابن الدباغ عام 546هج.

ثناء ابن دحية على سراج المريدين:

قال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية: (كان القاضي أبو بكر محسودا في بلده، ويُنسب إلى ما لا يليق به، وهذا الكتاب فيه علم جم، وهو من أعظم تواليفه وأجلها).


السؤال عن سراج المريدين:

من العلماء العارفين بقدر السراج، واللاهجين بذكره، والمساعدين على إخراجه ونشره الأستاذ العلامة المحقق الدكتور سيدي أحمد شوقي بنبين؛ محافظ الخزانة السلطانية الشريفة، وقد يسر لنا نسخ السراج، وأمدنا بكثير من كتب الإمام أبي بكر بن العربي المخطوطة منها والمطبوعة، وله إسهام كبير في إخراج تراث ابن العربي؛ تشجيعا وبذلا، فحفظ الله شيخنا الحبيب وأجزل له المثوبة كفاء عونه وتيسيره.



برنامج السراج:

وهو مقدمته وفاتحته وطالعته، جعلناه مدخلا لعلوم السراج، وبينا فيه قانون معرفته، وأقطاب تكرمته، وجاء هذا البرنامج في قريب من 500 صفحة.


vendredi 22 septembre 2017

أضواء على المذهب المالكي بالمغرب الأقصى في عهد الأدارسة

الدكتور سلمان الصمدي

مجلة دعوة الحق يوليوز2017











 


jeudi 21 septembre 2017

إجازة للإمام المسناوي

محفوظة بالخزانة الكتانية




إجازة الفقيه ابن سراج الغرناطي لأبي الحسن بن الأزرق المالقي وهي بخطه



توقيع الشريف أبي المعالي محمد بن أبي القاسم محمد السبتي ثم الغرناطي على إجازته لابن الأزرق المالقي


خط الفقيه الأجل أبي الحسن علي بن محمد بن الأزرق المالقي


الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى

تحرير

الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الإشبيلي

دراسة وتحقيق عبد الله التوراتي

تخريج وتوثيق أحمد عَرُّوبِي

صفحة تحميل الكتاب:

https://archive.org/details/amadaqsa

الغلاف: https://ia600202.us.archive.org/14/items/amadaqsa/amaqsa0.pdf

السفر الأول:  https://ia600202.us.archive.org/14/items/amadaqsa/amaqsa1.pdf

السفر الثاني: https://ia600202.us.archive.org/14/items/amadaqsa/amaqsa2.pdf

 





جُزَيْءٌ من برنامج أبي ذر مصعب الخشني الجيَّاني المتوفى سنة 604هـ

قرأه وعلَّق عليه

الأستاذ عبد العزيز السَّاوْرِي

منشورات دار الحديث الكتانية

ضمن أعلاق أندلسية؛ جيَّان (2)، سلسلة الفهارس والبرامج (3).


برنامج روايات أبي الحسن علي بن محمد بن الأزرق المالقي (كان حيًّا عام 846هـ)

ومعه إجازات لولده أبي عبد الله محمد (المتوفى عام 896هـ)

 ضبط نصَّه وقدَّم له

الدكتور عبد الله التوراتي

منشورات دار الحديث الكتانية

ضمن أعلاق أندلسية؛ مالقة (1)، سلسلة الفهارس والبرامج (2)

vendredi 15 septembre 2017

حديث عقبة بن عامر بعِلَلِه ووُجُوهِه

تأليف

الإمام الحافظ الناقد أبي بكر بن العربي المعافري


نكت المحصول في أصول الفقه

إملاء

الإمام الحافظ أبي بكر بن العربي المعافري



jeudi 14 septembre 2017

واضح السبيل إلى معرفة قانون التأويل وفوائد التنزيل 

لإمام الأئمة وفخر الأمة الفقيه الحافظ أبي بكر بن العربي المعافري


وهو السفر الرابع منه، ممَّا حبَّسه سلطان المسلمين وأمير المؤمنين أبو عنان المريني على مدرسته بفاس.


مشيخة الإلغيين من الحضريِّين للفقيه العلَّامة محمَّد المختار السُّوسِي

 
هذا الكتاب هو جزء كان في الأصل ضمن الفصل الثاني من القسم الثالث من المعسول في صيغته الأولى، وارتأى محمد المختار السوسي أن يترك هؤلاء الأشياخ والأساتذة الحضريين المذكورين في هذه المشيخة على حدة، وقد سعى في إخراج هذا الجزء في حياته لكنه لم يبيض منه إلا ترجمة الشيخ شعيب الدكالي، وقد كان تأليفه إبان نفيه في إلغ ما بين 1937 و1945م، ثم قام ابنه البار عبد الوافي بإخراج هذا الجزء كما قام بإخراج غيره، وقدم له بمقدمة معرفة بموقع هذا المصنف بين تراث والده رحمه الله.
مشيخة الفقيه محمد المختار السوسي
ترجم الفقيه محمد المختار السوسي لجملة وافرة من مشايخه الذين قضوا في أواسط القرن الرابع عشر الهجري، وقد كان هؤلاء المشايخ مفزع الناس وموئلهم في مسائل العلم والفتوى والإصلاح، وقد ساق هذه التراجم على نمط مخالف لنمط المعتنين بالتأريخ لأهل العلم من ذكر أصنافهم ومآثرهم، وأخذ في سبيل ذلك وتوسل بنمط جديد يتعلق بالذكريات والانطباعات النفسية وأثر المترجمين في الناس، يسوق كل ذلك في جزالة لفظ وحسن رصف، مع عاطفة جياشة تجاه مشايخه وتحننه للقائهم، وندمه على ما فاته من الأخذ عنهم والإفادة من علمهم، فهو قد نهج في التأريخ لمشايخه نهج الأديب المؤرخ؛ يطربك بأبيات قالها في حق شيخه، ثم يجول بك في جنان من الود والمحبة يتقدمها شوق الطالب لشيخه، ثم يأخذك أخذا لينا هينا إلى علم شيخه وإلى ما حصله من الفضائل وما اغترفه من الشمائل، وأين برز علمه وأين استوى عوده وأملوده، ويوازن بين مراحل الأخذ عنه مع الصدق والتحري، ثم يستطرد في ذكر أشجانه المؤرقة وتأسفه وتفجعه على افتقاد العلماء وذهابهم، وتحول تلك المجالس العامرة بالعلم والفنون إلى مجالس يتردد فيها الصدى والحنين، أو تحولها إلى ذكريات تتراءى للمشوق، ثم إنك في نظرك في هذا الكتاب الحفيل لتجد أخبارا متفرقة عن كل شيخ شيخا في غير موضعها المعتاد، فيتردد ذكر أبي شعيب الدكالي في كل التراجم كما يتردد اسم غيره، وتجد خبرا لم يذكره في ترجمة محمد بن العربي العلوي قد تجده في ترجمته لمحمد الرافعي وهكذا، فالكتاب يقرأ من أوله إلى منتهاه لمن أراد أن يحصل نظرة متعمقة مدركة لفوائد هذا الكتاب.
الإمام الحافظ أبوشعيب الدكالي

ويذكر في سبيل التمهيد لفضله وعلمه ما أدركه الشيخ من الشفوف على الأقران والسمو بالعلوم وانتشار التلاميذ، وكيف ساد وهو شاب، حتى كان يحضر دروسه أساطين العلم وأعلامه كابن إبراهيم السباعي، "وميزة أخرى للشيخ وهو أنه لم يعرف بادعاء صلاح ولا بالتقول فيما يقول"، وقد حمله علمه على أن سلم له الكل؛ القريب والبعيد، والمساند والمعاند.
ثم صار يحكي ما رآه بعينيه وسمعه بأذنيه بقوله : "والشيخ شعيب علامة مشارك يذاكر كل ذي فن في فنه ثم لا يعجز أن يتخلل معه في مسالكه الدقيقة، وإن كان مذاكره أكثر تحصيلا من الشيخ في ذلك الفن، فقد أوتي ملكة يقتدر بها أن يعلو دائما كعبه في المباحثة فلا يقوم جليسه إلا معجبا به راضيا".
والطريف في ترجمته هاته أن يورد منها ما حكاه الشيخ بنفسه وردده في مجالس أنسه، من ذلك قول محمد المختار السوسي : "نشأ الشيخ يتيما وربما مات والده قبل أن يعرفه فتولى أحد عمومته كفالته فأحسن كفالته، واعتنى بتعليمه كتاب الله أولا، ثم الروايات السبع ثانيا، ثم حفظ المتون كلها التي كانت تدرس من المختصر فما دونه ثالثا، فكان يحكي لنا رحمه الله أن يد عمه كانت عليه شديدة جدا ولا يعرف شفقة عليه في سبيل واجب القراءة فما كاد يستتم اثنتي عشرة سنة حتى حفظ كل ما تقدم حفظا متقنا، ولما أعلن السلطان مولاي الحسن الأول في الناس أن كل من عرض المختصر حفظا فله جائزة أقبل الشيخ من البادية وهو ابن نحو ثلاثة عشرة سنة فمثل بين يدي السيد علي المسفيوي؛ وكان إذ ذاك وزير الشكايات وله حرمة علمية لأنه من أساتذة السلطان، ولذلك نصبه لامتحان حفاظ المختصر، قال الشيخ : فاستصغرني وظن أنني أكذب فقلت له : اقبض النسخة، فصرت أملي عليه، ثم نقلني إلى بعض أبواب أخرى وهكذا حتى مر بي على أبواب في الأخير، فتعجب جدا مني، فقلت له : وأحفظ أيضا الشاطبية، فسردت عليه منها، ثم التحفة، وسردت عليه منها، وهكذا وهو يزداد عجبا إلى أن تلوت عليه من كل ما أحفظ، فقلت له : وهل هنا من يتقن القراءات السبع فإنها أيضا من محفوظاتي، فطال تعجبه كثيرا، فخرجت من عنده بجائزة عظيمة جدا".
وبالجملة فإن الشيخ أبا شعيب الدكالي "آية من آيات هذا العصر، أتقن أصول المسائل وتمهر في الخلافيات وأقوال العلماء المتفقة والمختلفة، حتى كان ما يحتاج إليه في الدروس غالبا مستحضرا عنده بديهة لا يحتاج فيه إلى مراجعة، مع مقدرته الغريبة في إطالة الدرس إن شاء بما لا يمل وإن طال، وفي إيجازه إيجازا غير مخل إن اقتضى المقام ذلك".
ولما سمع السلطان مولاي عبد الحفيظ بالشيخ استدعاه لجواره، "فأوعز السلطان أن تهيأ له بهائم يحمل عليها متاعه وأهله إلى فاس، فدخل الحضرة الحفيظية وقد هيئت له دار عظيمة ومؤونة كبيرة، وعند حضوره لمجالس السلطان كان يتقدم كل الشيوخ من الأكابر والجهابذة كابن الخياط والمهدي الوزاني والبلغيثي، وكان السلطان إذ ذاك حر الفكر يرفع ضد كل البدع سيوفا مرهفة، فلم يجد من يخلص لمبدئه كالشيخ شعيب الدكالي".
طريقته في التدريس وإلقاء المسائل
وفي سياق الترجمة يتوغل الفقيه محمد المختار السوسي في ذكره لطريقة تدرسيه فيقول : "يبتدئ الدرس معك وأنت وهو خالي الوفاض مما سيقال، ثم عند التقرير لا يلقي إليهم إلا ما كان قد قتله بحثا، فجلاه إليك في ثوب مبهج قريب الملمس لطيف المنظر، ثم يأخذ بيدك تدريجيا وهو يترقى بك شيئا فشيئا، وشهية تفهمك تتفتح بالمسائل الأولى السهلة التي فهمتها بديهة، إلى أن يقف بك إلى معترك الأفهام ومنتطح الكباش، فهناك تتكفل لك عبارته السهلة الواضحة وفصاحته العربية المعسولة وتقريره المنظم المرتب ترتيبا طبيعيا بأن تفهم كل عويص جال فيه الأستاذ بتقريره، ثم إذا عن لك إشكال ورآك الأستاذ بحذقه الغريب وفراسته الإياسية تحدجه بطرفك وتردد سؤالا من فيك يتوجه إليك بذلك الوجه النير البراق الأسرة ويقول لك : ما تقول يا سيدي، فتتجرأ إذن أن تعلن سؤالك وأنت باعتناء الأستاذ بك بين أولئك الجماهير الكثيرين مسترق العواطف مبتهج الفؤاد منشرح الصدر، ثم تسمع جوابا لطيفا هادئا مصوغا في قالب التنازل العظيم، فإن راجعته ثانيا أو ثالثا يمادك المجاوبة، وإن رأى من كلامك ناحية فيها صواب اعترف لك على رؤوس الأشهاد بأنك على صواب، فلا تسل عما يعتريك إذ ذاك من الحبور والسرور والرغبة التامة في تحصيل العلم، فلا يزال ذلك يتكرر حتى تهتم أن تطلق كل الحياة وشهواتها ليكون لك هذا العلم السهل الذي نال به الشيخ شعيب ما نال".
وقد كان الشيخ مالكيا يدافع عن المذهب وينافح عنه ويستشهد له ويروم الانحياش إلى أعلامه وفحوله، إلا أنه لم يكن متعصبا، فإن ظهر له الحق أيده واتبعه وأظهر العذر في السبب الذي جعل الإمام مالكا يقول به، ومنه قوله : "..إن الهدي عند المالكية منهي عن ركوبه، وهذا الحديث وارد عليهم، وقد مال إليه فخر المالكية ابن العربي المعافري فقال : إن ركوبه وإن كرهه مالك فلسنا له بممالك، ونقول به متبعين محمد بن عبد الله وإن لي يقل به أبو عبد الله".
وقد كان الشيخ يميل إلى القبض في الصلاة ويرجحه بالأدلة القوية، فبه وبعلماء آخرين انتشر القبض اليوم في الحواضر، كما أنه كانت له أنظار كثيرة قد يختارها من الخلاف، وقد يكون هو أبا عذرها، وقد ذهبت بكل أسف ولم يكن أحد من تلاميذه قد اهتبل بتقييدها.    
 ثم بخلص الفقيه محمد المختار السوسي إلى أن  دروس أبي شعيب "بثت روحا عليا في النشء الذي فيه الحياة، فتفتقت الأفكار وجرؤ التلاميذ على الصراحة بما يعن لهم، ولو كان كل الذين يحضرون دروسه مستعدين لروحه السامية لكان المغرب اليوم على غير ما هو عليه الآن في العلوم الدينية، فقد أحيى الله بالشيخ أفكارا، ونشر به علوما، واستبدل به حالة لحالة أخرى، حتى انقلبت أساليب التدريس وسلكت مجاري التفهم للعلوم مسلكا آخر، فانقلبت بسببه جميع أحوال الطلبة من جنب إلى جنب آخر بالتدريج".  
الفقيه العلَّامة مولاي أحمد بن المامون البلغيثي

ثم ينتقل إلى ذكر شيخ آخر ممن تلمذ له فيعرف بمولاي أحمد البلغيثي بقوله : "أحد الأدباء المشهورين ويضم إلى تضلعه في الأدب تضلعا في باقي العلوم الإسلامية من عربية وفقه وحديث وتفسير؛ أتقنها كلها إتقان المشارك الذي له اطلاع واسع في كل فن".
حضر الفقيه محمد المختار السوسي دروس البلغيثي في البخاري لكنه لم يجد لها من حلاوة الحديث ما كان يعرفه عن الشيخ الدكالي، وإنما هي أبحاث ملتقطة تسعفه بها مشاركته الواسعة في العلوم والفنون، ولم يكن يمعن في الحديث بحثا متعمقا كما أن مطالعته للفتح لم تكن من أغراضه، ولكنه –أي البلغيثي- لم يكن يتذوق كثيرا من أبحاثه، ما جعل الفقيه محمد المختار السوسي ينقطع عن دروسه ومجالسه إلا ما كان من زيارته ومطارحته القصائد والأدبيات، وهذا كله كان بسبب الشفوف الذي حصل له من ملازمة الشيخ شعيب بمراكش إذ يقول الفقيه : "وأنت ترى أن الشيخ شعيبا أذاقنا ما أذاقنا فنفعنا من جهة وأضر بنا من جهة، نفعنا من جهة أنه رقى مداركنا حتى عرفنا لب العلم وكيف تذوق المسائل، ولكنه بسبب انقطاعنا عنه واضطرارنا إلى آخرين لا يزالون على ذلك السير العدمليّ القديم، قد أبت علينا أذواقنا أن تتنازل وأن تصبر على ذلك السير الذي فيه فوائد على علاته".
ويذكر الشيخ في استطراداته أنه ذاكر الأستاذ الرافعي الجديدي فقال له : إني نادم على عدم أخذي عن الفضيلي، فقال له الرافعي : "لا تندم فإن هذه المعلومات التي عندك في الأصول وتمرنك على إعمالها في الأدلة ما كان الفضيلي ليعرف بعضها وإن كان يستظهر كل ما قيل"، ثم قال : "إن علم الأصول علم سهل ولكن أفسده جمع الجوامع ومحشوه، ثم جاء أمثال الفضيلي الذي لا يعرف أن يعمله في الأدلة وإنما يعرفه مسائل مجردة فأفسدوه وهم لا يشعرون". 
ومن إنصاف مولاي أحمد البلغيثي ما ذكره له من علم ابن إبراهيم السباعي في مذاكرة جرت له مع علماء فاس وطلبته، قال البلغيثي : "إذ ذاك انقشعت عن عيني غشاوة كثيفة فعلمت أن في المغرب علماء آخرين غير من نعرفهم  بفاس، وذهب عني ما كنت أسمعه في صغري لا علم إلا علم الفاسيين، ولا عالم اليوم بفاس إلا ابن الخياط"، قال : ثم لما صرت أجول في المغرب أدركت مقدار غلطنا وأننا في أقماع من الجهالة بأنحاء المغرب في حين أننا غير شاعرين".
تولى البلغيثي القضاء في الصويرة مرتين ثم البيضاء، وكان شديد الشكيمة لا ينحني لأحد، وقد وقع بينه وبين باشا البيضاء إذ ذاك مشادة أفضت إلى عزلهما معا، ثم بعد ذلك انخرط في مجلس الاستيناف، وبعد الأربعين تولى قضاء مكناس ثم أعفي منه، فلزم داره بفاس يدرس ويفتي ويؤلف.
وكان تيجانيا متدينا حسن المعاشرة طيب السمعة، وهو من الذين لم يتركوا نظيرا لهم بعد وفاتهم، وكان ممن يقبض في الصلاة ويجول في المذاهب جولانا ما، وربما يترجح عنده في مسألة غير المعتمد في مذهب مالك، وذلك مما يدل على حرية فكره رحمه الله.
شيخ الإسلام محمَّد بن العربي العلوي
مهر الفقيه في الفنون التي تلقاها وكانت له مشاركة فيها، ولكن الذي كانت له فيها المهارة التامة هي علوم العربية على اختلاف أنواعها، ويده في الأدب وفي الذوق العالي لم يدركه فيها أحد ممن لقيناهم بفاس، اتصل بدروس الشيخ الدكالي فكان سارده في الدروس الحديثية، وكان السبب في رجوعه عن التجانية كتاب ابن تيمية "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
وكان الأستاذ في مناظراته ذا تؤدة واتساع صدر وذا حجة ظاهرة، يدرك بحذقه ما يليق أن يحتج به على كل إنسان وكيف يدخل عليه.
وقد قال لي مرة : "إن قضايا تأتي إلى يدي وأدرك أن الحق فيها يعاكس المشهور في المذهب المالكي، فأسلك بالقضية مسالك حتى أوافق فيها الحق الذي ينشرح له صدري ثم لا ينكره الفقه المالكي"، ولكونه يحافظ عند تنفيذ الحكم على المنصوص من المشهور أو الراجح لم يرد عليه فيما علمنا حكم من الاستيناف.
"والمحصل أن الأستاذ إذا توجه لمسألة فإنه يحررها تحريرا بالغا ثم إذا عقد عزمه على ما حرره لا يتحلحل عنه وإن ناظره الأولون والآخرون".
"وقد كان يجول في كل مجال ويطل من كل ثنية فلا يترك للإرشاد بابا إلا طرقه، ثم يتخلص منه إلى ما هو دائما مبدأه ومنتهى غايته، فيشيد بالتوحيد ويؤيده وينصب دلائله بما يبهر الحاضرين ويفحم المناظرين".    
الفقيه الحافظ المحدث محمَّد المدني بن الحُسْنِي الرباطي
ويذكر عنه أوليته وأنه ممن "نشأ برياض الزيتون بمراكش أيام الدولة العزيزية فهناك تلقى القرآن، ثم انتقل إلى الرباط فأخذ بها سائر العلوم، ولم يغادرها لطلب العلم ولم يكن طلبه إلا بها، فأخذ عن علماء الرباط، وسمت به همته إلى الانقطاع لطلب العلم، فأقبل على نفسه بذهن وقاد وذاكرة حادة يدرس ويقيد ويحفظ ما يحفظ في غرفته، ويلتهم ما يلتهم من الكتب والأسفار، حتى صار أعجوبة المغرب وحديث الأعصار ومستمد المؤرخين، فمن باب المطالعة والتتبع والاستظهار دخل سيدي المدني، فأمعن في التاريخ العام والتاريخ الخاص بالمغرب وحصله تحصيلا صار به مشاركا، وأمعن أيضا في علوم الحديث إمعانا، وحصلت له معرفة تامة برجاله واصطلاحاته وكتبه، ثم أقبل على حفظ متون الحديث، ضاما إليها علوم اختلاف المذاهب، وأتقن الأصول والنوازل والمسائل، أما العربية وعلومها فقد حاز فيها الدرجة الرفيعة نحوا ولغة وبيانا وأدبا".
وتعانى التدريس وتصدر للإفادة فأملى على المختصر الفرائد من الفوائد ونظم مسائله وأبان دلائله، وهكذا كان في جل مجالسه.
فعندما افتتح بلوغ المرام كان يتناول الحديث من كل جهة منطوقا ومفهوما على المنهج الأصولي، فيأتي بدروس قيمة ويعرض المذاهب وحجج الكل، وذلك بعدما يتكلم على الحديث من جهة الاصطلاح، فكان يستوعب تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر فيملي ما هنالك ثم يزيد عليه، فيكون منتهى ما يقرر حديثا أو حديثين.
 وقد كان بلوغ المرام بدراسة الأستاذ هو الفاتح للفقيه محمد المختار السوسي عن الكيفية المختارة في دراسة الحديث "ففيه تعلمنا كيف ننظم تفهم الحديث فنبتدئ أولا بالتكلم حول سنده ومرتبته ومخرجيه
، ثم نتكلم على المتن من جهة العربية أولا، ثم ندخل في فقه الحديث فنتعرض لسببه، ثم بعد ذلك نتكلم حول ظاهر متن الحديث؛ أهو نص في الذي يساق له أم هو ظاهر ؟ ومن القائل بمدلوله من الأئمة ؟ ومن لم يقل به ؟ مع إيراد العذر لمن لم يقل به، ثم يوشح ذلك بالقواعد الأصولية والقواعد الاصطلاحية الفنية مع تتبع العمومات في المتن والمطلقات وعكسها".
هكذا كان الأستاذ يدرس، "فنشاهد حرية الفكر ونبذ التعصب المذهبي، فتتجلى لنا عظمة علم الأصول ودلالة الأحاديث كما هي، فنخرج من الحديث وقد عرفنا مدلوله، ومن يقول به، مع إدراكنا العذر الواضح –إن كان- ممن لم يقل به".
"ولسيدي المدني كتاب "منار السبيل إلى مختصر خليل بالحجة والدليل"، موضوعه استخراج الأدلة من الأحاديث والآيات للمالكية، فكان بذلك أهم كتاب يصلح لهذا العصر الذي لا يزال الناس فيه منكبين على خليل مع اشرئبابهم إلى الحديث، وأخبرت أنه في أربعة أجزاء، ويكفي هذا الكتاب دليلا على يد الأستاذ في السنة، فقد قام أخيرا للمالكية بما قام به البيهقي قديما للشافعية والطحاوي للحنفية، وقد أفرغ الأستاذ جهده في هذا الكتاب يتتبع له كل كتاب حديثي حتى أمكن له أن يكمله".
الفقيه العلَّامة محمَّد بن عبد السلام السَّايح الرباطي
 من جملة ما حفظ الفقيه محمد المختار السوسي من نصائحه قوله له : "إنني أقول لك كلمة احفظها عني تنفعك في مستقبلك وتعينك في بحثك، وتكفكف من غلواء احتمالاتك التي أراك بها غنيا تنثرها بلا حساب، إن هذا البحث نفسه لو كشف لك الغطاء وقرأت ما كان سلكه فيه النظار الكبار الذين كانوا أقعد بمعرفة مدلولات العربية، وأشد تمكنا في معرفة الحديث والإحاطة بكل ما يمس المقام، وكانوا أكثر منك حرية رأي ومتانة تفكير وسلامة ذوق لرأيت ما يبهرك، فإنهم ما توصلوا إلى هذه النتيجة إلا بعد جهود عنيفة خلقهم الله لها في ذلك العصر، وتأتى لهم بقربهم من عصر النبوة وعهد التنزيل وطلاوة العروبة ما ليتأتى لبني هذا العصر، وإن ادعوا من حدة الأذهان ما ادعوا، فهذه القواعد الأصولية التي أصلوها بجهودهم ما أصلوا كل واحدة منها إلا بعد كد وعنت وتتبع وإمعان وموازنة بين كل الجزئيات التي يمكن للبشر أن يستقريها، فكيف يتأتى لشاب من أحد شبان القرن الرابع عشر الهجري أن ينطح تلك القواعد الرامية ما لم يأت بجهود أكبر من جهودهم، ومصابرة أعصارا طوالا في الاستقراء، أفيسهل لمن تتألق له بارقة فهم تألق البرق الخاطف أن يعمد إلى دك تلك القواعد فينسفها، هيهات هيهات فما هو في الحقيقة إلا  
        كناطح صخرة يوما ليوهنها    فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل       
  إنني والله لأتعجب من بعض شبان اليوم المعجبين بأفهامهم حين أراهم يتطاولون إلى مجاذبة النظار المتقدمين أفهامهم، فيردون عليهم ما يقررونه من القواعد العامة، فأقول : إن هذا العصر عصر العجائب، ومن عجائبه هؤلاء المتنطعون الذين يزعمون أنهم يحسنون كل شيء، في حين أنهم لا يحسنون أي شيء، يتصور أحدهم نقطة من ماء سراب فيظل يحوم حولها ويسبح بخياله من بعيد فيها، وما فيها إلا نقطة متخيلة من سراب، ثم يزعم أنه يغرق بها بحارا طامية تشد الآفاق بأمواجها، فيملك ذلك الخيال عليه شعوره حتى لا تحمله أرض ولا سماء، وما هو في الحقيقة إلا أجهل وأقمأ وأخرق من أقلته أرض وأظلته سماء، حذار يا فلان أن تكون من هؤلاء فتخسر حياتك وتكفر بسلفك، وتغمط جهود العالم الإسلامي الذي ما مر فوق هذه الكرة عالم مثله عقلا وعلما ومدنية، فهذه نصيحتي إليك فاقبلها بهذه المناسبة، وإياك أن تحسب أنني تأثرت من مباحثتك هذه، فأيم الله إنني لمعجب بك وما إعجابي بك إلا من أجل أمثال هذه المباحثات، ولكنني لا حظت عليك أنك ربما تعمد عن عمد إلى ترهة، فتترك المحجة فتحسب أنك بذلك ممن يحسنون صنعا، فأردت أن لا ترجع إلى مثل ذلك منذ اليوم، فابحث واجعل أفكار العظماء رائدا لبحثك، ثم إذا اقتنعت -بعد بذل جهود عظيمة كما يفعل العظماء- أن من اتخذته رائدا قد زل عن الطريق السوي فحينئذ لا بأس عليك إن أعلنت ما يظهر لك".  
وكان مما قاله له : "إن خزانة العرب قد ضاعت بكل أسف في دجلة يوم هولاكو، وفي ساحات الفردوس المفقود، عندما كانت تحرق الكتب في ساحات المدن المحتلة، فقد أحرق مرة ثمانون ألف مجلد دفعة واحدة، ففي ذلك ذهبت أفكار العرب وجهودهم في الفلسفة وغيرها، على أن بقية قليلة ما تزال موؤودة في المكاتب العامة والخاصة".
وذكر يوما له "أن الفقه لا يمكن أن يجمد وإن حاوله الجامدون، فأفاض الأستاذ في ذلك بأدلة تاريخية تشهد بأن الفقه تتطور جزئياته وإن كانت كلياته مستقرة".
"كان الأستاذ حرا طليق الفكر إلى غاية ما بعدها غاية، ولكن الذي يزين تفكيره أنه غير متنطع، فترى في مذاكرته وقار العلم في عقل الفلسفة، ولم يكن مجلسه معنا إلا مجلس وقار مقصورا على العلم".
لسيدي السايح مشاركة عظيمة جدا حتى إن المدني بن الحسني قال في حقه وهو أحد أقرانه : "إن الأستاذ السايح هو الذي أخذ العلم كما يكون الأخذ"، فقد أتقن الأدب والنحو والفقه المالكي بجزئياته فلا يعزب عنه كل ما في الزرقاني وحواشيه، والتفسير والحديث وله فيهما باع طويل حفظا وفهما واستحضارا للنقول، كما كان أيضا مؤرخا ومطلعا على الفلسفة ومذاهبها.
العلامة الفيلسوف المتكلم محمَّد بن أحمد الرافعي الجديدي
كان الأستاذ الرافعي آية في حفظ المتون، فقد ذكر للفقيه السوسي أنه "حفظ في صغره ثمانين متنا تتعلق بكل الفنون المتداولة، وكان أخذه في منشإه بأزمور، وكان والده عالما كبيرا، وكان من أعجب الناس في المطالعة مع تثبت فيها واستظهار، وحفظ مع المعرفة بالحديث والتفسير، ويستظهر غالب ما قيل من الأقوال المشهورة فيهما، وهو العالم الوحيد الذي ترتجف منه فرائص كثيرين من أفذاذ علماء المغرب، لأن حجته معه، مع جرأة ترغمك على القبول، أضف إلى ذلك جولاته الكثيرة في الفلسفة قديمها وحديثها، رجالها ومصنفاتها، ومدارسها ومذاهبها.
وقد عرضت على الأستاذ وظائف شتى فاستنكف من أن يكون له قيد، وإن كان من ذهب مرصع بالجواهر والياقوت، ولكنه مع فقره غني بنفسه لا يتدلى إلى أحد طمعا مما عنده، وهو يمثل عظمة العلم والتعالي به، وكثيرا ما سمعته يقول : "من تماوت بالعلم أهانه، ولسان العالم سيفه".


الفقيه العلَّامة المؤرخ مولاي عبد الرحمن ابن زيدان  
 قال فيه المؤلف : "مفخرة المغرب وأحد العلماء المشهورين في هذا العصر بالتنقيب بين الكتب، وخير دليل على تمكنه ومعرفته كتابه "إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس"؛ لما تضمنه من وثائق تاريخية عظيمة الوقع جليلة النفع، تأتت للأستاذ لكونه أحد أبناء الأسرة المالكة، ولمداخلته للذين أولعوا بجمع ذلك من أرباب الخزائن الخاصة، والمديرين للخزائن العلمية للحكومات، فكان جاهه وأخلاقه وسمعته الطيبة تفتح له كل باب وتيسر له كل عسير.
وفي الأخير
 هذه نظرة عابرة في مشيخة الفقيه محمد المختار السوسي أوردنا فيها جملا صالحة من أخبار بعض المترجمين، وقد ارتأينا أن يكون نظرنا لهؤلاء مبنيا على خصال أهمها الاشتهار بالحفظ والذكاء الحاد والنبوغ المبكر والقدرة على المناظرة والإفحام، فجل هؤلاء الواردين هنا ممن اشتهروا بالحفظ والإيغال في مسالكه، والشفوف على الأقران بما نالوه من هذه النعمة السابغة، وكذا تميزهم بالنبوغ المبكر وبروزهم للتصدر والإفادة وهم مازالوا في عنفوان الشباب، وكذلك مناظراتهم المتلوة ومجادلاتهم المجلوة في الدفاتر وعلى المنابر، فقد كانت مجالسهم عامرة مقصودة من العام والخاص.  
والكتاب فيه من الأخبار والفوائد من أشعار وذكريات ومناظرات ما يطرب القارئ ويرقص المطالع، هنيئا لأهل العلم وطالبيه بهذا المصنف الماتع ليكرعوا من حياضه، وينهلوا من عيونه المتكاثرة وفنونه المتناثرة.