lundi 10 juillet 2017

 قراءة في كتاب المتوسط في الاعتقاد للإمام أبي بكر بن العربي

 

تنظيم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء

 

الأربعاء 27 شعبان 1438هـ/24 ماي 2017م

التأم برحاب الخزانة الداودية بتطوان، يوم الأربعاء الموافق لـ 24 ماي، لقاءٌ علمي نظمه مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بالشراكة مع مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة وتعاونا مع مكتبة التواصل، لتقديم قراءات في كتابين عقديين:

ـ أولهما كتاب "المتوسط في الاعتقاد والرد على من خالف السنة من ذوي البدع والإلحاد" لمؤلفه القاضي أبي بكر بن العربي المعافري (ت. 543هـ)، وبتحقيق الدكتور عبد الله التوْراتي.

ـ وثانيهما كتاب "الكشف والتبيين في أن عبارات محمد بن عمر في تكفير أكثر طلبة عصره وغيرهم خارقة لإجماع المسلمين" من تأليف مبارك بن محمد العنبري السجلماسي (ت. 1090هـ)، وبعناية الأستاذ جمال زركي دراسةً وتحقيقا.

استهلَّ اللقاء مسيرُ الجلسة الأستاذ مصطفى بنسباع (أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان) بكلمة شكرٍ في حق المنظمين والمتعاونين مرحّبا بالضيوف الكرام من السادة العلماء والأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين والمثقفين المهتمين، عارضا بعد ذلك لبرنامج هذا النشاط العلمي وكيفية توزيع القراءات للكتابين معا على المحاضرين المتدخلين مع التنصيص على الغلاف الزمني مدةِ كل قراءة.

ثم أحال الكلمة إلى الأستاذة حسناء داود (محافظة الخزانة الداودية) لإلقاء كلمة ترحيبية بهذه المناسبة عبّرت فيها عن وافر فخرها وعميق سعادتها باحتضان هذه المأدبة العلمية اليانعة، مجددةً ترحابها بالحضور الكرام، ومنوّهة بالشراكة المتميزة التي تجمع المؤسسة التي تسهر على تسييرها بمركز أبي الحسن الأشعري.

عقب ذلك، عطَف المسير، إلى أصحاب القراءات العلمية مبتدئا بالأستاذ يوسف احنانة (المتخصص في الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي وعضو المجلس العلمي المحلي بمدينة تطوان). وقد افتتح الأستاذ احنانة مداخلته القارئة لكتاب "المتوسط في الاعتقاد" بـ"نوستالجيا" عاد بها إلى بداية الثمانينيات عندما اكتشف مخطوطة مهترئة لهذا الكتاب بالمكتبة العامة بالرباط  مذكّرا بصعوبة الحصول على نسخ للمخطوطات في ذلك الإبّان، ومع ذلك عمل على استخراج ما أمكنه من نصوص المتوسط الوظيفية لإبراز الحضور الأشعري في الغرب الإسلامي. ثم عاد المتدخل إلى الكتاب في نسخته المحققة فعرض لأٌقسامه وأبوابه الكبرى متمثلة في باب الإلهيات والطبيعيات والنبوات والسمعيات؛ فخص الباب الأول بتقريظه لإجماع الأشاعرة (أو شبه إجماعهم) على  ضرورة النظر وممارسته لمعرفة الله وصفاته وأفعاله، ثم عرض للتصور العقدي التنزيهي الذي يصدر عنه القاضي أبو بكر في باب التوحيد مع تخليص قول الأشاعرة "الله لا داخل العالم ولا خارجه" من مشابهة محتملة بالمقولة نفسها للفيلسوف اليوناني أرسطو مبينا أوجه الاختلاف والتمايز بين المضمونين الكلامي الأشعري والفلسفي المشائي. وبخصوص الباب الثاني توقف القارئ المحاضر عند مسألة "خلق الأفعال" عند الأشاعرة مبرزا مدار الاستدلال الكلامي فيها على إثبات الخالقية المطلقة للباري تعالى مع توضيح مقتضب لتوصيف الإنسان بـ"الخالق" والذي لا يعدو نسبةَ الخالقية له بالمجاز دون الحقيقة. أما الباب الثالث فقد نبّه بخصوصه، الأستاذ احنانة، إلى كون مبحث النبوات لم يكن محلَّ عناية كبيرة من طرف المغاربة لغياب أو انعدام النِّحَل والتيارات الفكرية المنكرة للنبوة بخلاف المشرق الإسلامي. وإن كان ابن العربي ندّ عن هذا الشِّرْع نظرا لملاقاته ـ أثناء رحلته إلى المشرق ـ "قضاة" يجحدون النبوة! فكان لزاما أن ينبري لدفع شبههم والاستدلال على جواز النبوة عقلا وضرورتها شرعا. ولم يفت المحاضرَ التمييزُ بين معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء، معتبرا الثانية امتدادا للأولى يجريها الله على أيدي الصلحاء والفضلاء من عباده المتقين. ثم انتقل المحاضر مباشرة إلى استشكال غياب باب خامس يُفترض تضمينُه في الكتاب هو ما يتعلق بالإمامة والإمام، فتساءل: هل سقط منه سهوا أو قصدا، أو أسقِط منه لاحقا؟ وقد خمّن في كون واقعه السياسي آنذاك ـ زمن المرابطين والموحدين، والأمير أو الخليفة منهم عار عن شرط القرشية ــ ربما يكون سببا في إسقاط هذا المبحث من الكتاب. وبالجملة فقد عدّ المحاضرُ ابنَ العربي المعافري واحدا من أرباب الفكر الأشعري معتبرا إيّاه "غزاليَّ" الغرب الإسلامي، ومنوها بمحقق كتابه "المتوسط" الذي كانت له اليد الطولى في إخراج هذا العِلق النفيس موطأ محققا.

في مفتَتح القراءة الثانية لكتاب "المتوسط" استشكل الدكتور أحمد مونة (أستاذ مادة الأصول والمنطق في كلية أصول الدين بتطوان) غياب توصيف صنعة العمل على مخطوط الكتاب بلفظة "تحقيق" أو عبارة "حققه" على واجهته، والاستعاضة عنه بعبارة "ضبط نصه وخرّج أحاديثه ووثّق نقوله"، مفترضا "التواضع العلمي" سببا في هذه الاستعاضة إضافة إلى ما انتشب بمفهوم "التحقيق" من ابتذال وتشويه، ليؤكد أننا بصدد تحقيق متميز ومحقق متمكن يستغرق جميع ضوابط التحقيق العلمية وشروطه الأكاديمية المعتبرة. ثم عرّج القارئ على عقد مقارنة محتملة بين كتاب "التقريب لحد المنطق" لابن حزم الظاهري (ت. 456هـ) وبين كتاب المتوسط لابن العربي (ت. 543هـ) من خلال الحضور البارز للآلة المنطقية في الكتاب المقروء مذكِّرا ـ على هامش قراءته ـ بتتلمذ والد أبي بكر على يد ابن حزم وإعجابه الشديد به ما يشي بإمكانية انتقال هذا الإعجاب العلمي إلى نجله القاضي. وللتدليل على هذا الحضور المنطقي انتخب الدكتور مونة موضوع "النظر" باعتباره مفهوما وموضوعا ينزلان منزلة مركزية من الكتاب؛ حيث شدد على كون ابن العربي انتهج في استدلالاته، على ضرورة النظر، منهجا منطقيا يقوم على ترتيب المقدمات التي يلزم عنها نتيجةٌ يحصل بها علم قطعي، وذلك على طريقة المناطقة في الاستدلال؛ فالعلم بالله وصفاته هو "علم مكلَّف" لا يحصل لا ضرورة، ولا إلهاما، ولا تقليدا، ولا خبرا، وإنما الطريق إليه هو النظر. ولإثبات هذه الدعوى يسلك القاضي ابن العربي مسلكا منطقيا يستعمل فيه أداة الشرط المنفصل مرتِّبا عليها ما ينتج عنها من إبطال لمقدَّم دعوى الخصم المفترض بناء على إبطال ما يليه، ونموذج ذلك إبطاله أن تكون "الضرورة" طريقا للعلم بالله إذ «لو كان العلم بالإله وصفاته يحصل ضرورة لكان قد حصل لجميع العقلاء، لكنه لم يحصل لجميعهم، إذن العلم بالله وصفاته لا يحصل ضرورة»، وعلى منوال هذا الاستدلال أبطل ابن العربي باقي الطرق المفترضة منتصرا للنظر العقلي  طريقا لمعرفة الباري تعالى. وأنهى المحاضر قراءته بدعوة عريضة إلى تقريب الفكر الأشعري، في زماننا هذا، بمقدمات تناسب مطلوب الاعتقاد وبأسلوب لا ينبو على مدارك الناس ومراتبهم في الفهم والتعقل.

 أما القراءة الثالثة فقد جعلها الدكتور خالد زهري قراءتين متضايفتين؛ أولاهما في كتاب المتوسط، وثانيهما في كتاب "الكشف والتبيين"، مستهلا القراءتين معا بتقدمة شدد فيها على ضرورة أخذ ثلاثة مقتضيات بعين الاعتبار؛ أولها وجوب استصحاب البعد الأكاديمي في التحقيق، وثانيها التمييز بين قراءة الأعمال على سبيل التبجيل والتقريظ وبين تفكيك مضامينها وافتحاص مداليلها لاستنباط النتائج وحصد الفوائد والتنبيه على المعايب والنقائص، وهذا هو المطلوب. والمقتضى الثالث يتعلق بالبعد الروحي الذي ينبغي أن يكتنف عملَ المحقق ليتميزَ عن تحقيقات المستشرقين؛ من خلال استحضار العلاقة الروحية والوجدانية التي تصل المؤلفَ بالمحقق فتجعله كلِفا بأسباب تأليفه متهمِّما بهمومه متقصدا لمقاصده. وبخصوص تحقيق كتاب "المتوسط" فقد نوّه الدكتور زهري على حيازته لشروط التحقيق بامتياز؛ تدقيقا في ضبط العنوان، وفي صحة النسبة لابن العربي، وفي المقابلة بين النسخ والنصوص، فضلا عن اجتهاد كبير في استخراج مصادر الكتاب المعرفية المصرّح بها والمضمرة. وبخصوص بعض المصادر المضمرة، وتعقيبا على اعتبار المحقق التوراتي كتاب "المتوسط" اختصارا لكتاب "الأوسط" لأبي المظفر الإسفراييني (ت. 471هـ)، يرى القارئ أن هذا الكتاب هو في الحقيقة اختصار لكتاب "التمهيد" للباقلاني (ت. 403هـ) مبرزا كيف أن المدرسة الأندلسية ظلت، وقتئذ، وفية للمدرسة الأشعرية الباقلانية. هذا، وقد أطاف الدكتور زهري بالكتاب المحقق من خلال الوقوف على ثلاثة موارد؛ مورد يتعلق بتعامل ابن العربي مع الدليل، وثان يهمُّ تعامله مع المصادر، ومورد ثالث يكشف عن منهج الرجل في استخدام المفاهيم والمصطلحات. بخصوص أولها يتميز منهج القاضي بنفس منطقي تحليلي لزومي يقوم على تفكيك عناصر الدليل سبرا وتقسيما إمعانا في إقامة الحجة والبرهان على المخالفين مكتفيا منها بما يناسب مقصود وضع الكتاب، أما تعامله مع المصادر فينبئ عن إلمام بالتوجهات الفكرية والعقدية والفلسفية الرائجة في زمانه أو قبيْله خصوصا مذاهب الفلاسفة. وأما المورد الثالث فيبِين عن قاموس مفاهيمي غني يمتح من مجالات معرفية وعلمية متعددة؛ منها علم الكلام، وعلم الأصول، وعلم المناظرة، وعلم الجدل، وعلم المنطق.. وهو قمين باستخراجه وضمه إلى باقي المصطلحات المستعملة من قبل المتكلمين قصدا إلى إفراد المفاهيم الكلامية بمعجم متخصص مستقل يكون مرجعا في بابه وعمدة في مجاله. وهذا أمل يدعو القارئ إلى تحقيقه من قبل أهل الهمة من الباحثين المتخصصين في علم الكلام.   

وفي الشطر الثاني من مداخلته التي خصصها لقراءة كتاب "الكشف والتبيين" للشيخ مبارك العنبري، أشار الدكتور خالد زهري إلى أن وضع الكتاب في سياقه العام يجعله داخلا في باب ما يعرف بـ"علم الكتاب" أو "البيبليوغرام" والذي يتميز بخصيصة تجعل الكتاب يدور حول نص معين، وبجانبه يطرح النقاش والمناظرة أو المحاكمات حول موضوعه، وهذا صنف فريد من أنواع التصنيف يعد من أبدع ما أنتجته العقلية العربية، وقد مثل لهذا النوع بكتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة" ورد ابن رشد عليه في "تهافت التهافت" وجاراهما علاء الدين الطوسي بكتابه "الذخيرة"، فالعنبري هنا يضع مقولات ابن أبي محلي في تكفير العوام محل النقاش والرد والمحاكمة، ثم يلقي خطابه ثانيا إلى شخص ثالث هو الشيخ أبو سالم العياشي ليرد هو الآخر بكتاب ثالث هو كتاب "الحكم بالعدل والإنصاف"، الذي مال فيه إلى نصرة العنبري في وجه خصمه المحلي. 

المداخلة التالية كانت للدكتور مصطفى أزرياح (دكتور في علم الحديث وأستاذ باحث)، شكر في بدايتها الجهة المنظمة، ثم بسط كلمته مبينا أنه سيقدم هذه القراءة من خلال محورين اثنين؛ خصص أولهما للجانب المنهجي فبين أن موضوع الكتاب جعل المؤلف يعتمد المنهجية الحوارية المعتمدة على الاستدلال والبرهنة، الأمر الذي مكن الكتاب من أن يصبح نصا فريدا في بابه، وذكر كذلك أن المحقق قسم عمله إلى قسمين اثنين خصص الأول منهما للدراسة والثاني للتحقيق؛ وعلى الرغم من أن الدراسة شملت عرضا للظروف التاريخية والسياسية لعصر (العنبري وابن أبي محلي)، إلا أن الملاحظ أن المحقق غفل عن إيراد مجموعة من النصوص المحققة الآن حول العقيدة الأشعرية التي تشتمل على رسائل ابن أبي محلي في الاعتقاد، والتي كانت ستفيده كثيرا في الوقوف على مدى عجز العنبري عن إيقاف حملة ابن أبي محلي وجعلته –بالتالي- يستنجد بالشيخ أبي سالم العياشي ليرد بدوره على ضلالات ابن أبي محلي وهي المتضمنة في كتابه "العدل والإنصاف" المحقق آنفا.. أما المحور الثاني لهذه القراءة فقد ركز فيها المتدخل على الجانب العلمي في التحقيق؛ وقد أشار فيها إلى أن المحقق لم يلتزم بمنهجية موحدة على طول هذا الكتاب؛ مما جعله يسقط في بعض النقائص التدقيقية... وفي ختام هذه المداخلة ذكر د. أزرياح أن هذه الملاحظات المنهجية لا يراد بها إلا تجويد عمل المحقق في القادم من الأعمال العلمية.

أما المداخلة الأخيرة فوسمتها الأستاذة حفصة البقالي (باحثة بمركز أبي الحسن الأشعري) بـ"نظرات في كتاب الشيخ العنبري" وقسمتها إلى شطرين: تطرقت في أولهما إلى قيمة الكتاب وعمل المحقق فيه؛ حيث أشارت إلى ما يعتور كتب العقيدة من تجريد وهو خلاف ما قام به العنبري في هذا الكتاب بحيث قام المؤلف أولا ببسط الحالة التاريخية والاجتماعية للناس، وثانيا بتقويم اعتقاد العوام، وثالثا بوضع آليات لحماية الأمن العقدي لهم، مما جعل من هذا الكتاب يتوفر على خصيصة طرح القضايا العقدية للعوام ومناقشتها. كما كشف الكتاب كذلك عن علم مغمور من أعلام سجلماسة، وبسط العلاقة الجامعة بين السلطة والعلماء في الصد لظاهرة الغلو في الدين أو التطرف في الاعتقاد أو ما يسمى بظاهرة (تكفير العوام) التي عرفها المغرب على مر تاريخه، والتي نجدها مدونة في المساجلات والمناظرات العقدية، ومنها كتابنا "الكشف والتبيين"، ثم انتقلت المتدخلة إلى التنبيه على بعض الخصائص المنهجية التي اعتمدها المحقق؛ حيث وقفت عند الفصل الرابع من الدراسة الذي تطرق فيه المحقق إلى بسط سبب الخلاف في مسألة وجوب النظر حيث اعتمد المحقق فقط على شواهد له من المشارقة دون المغاربة وكان حريا به وهو يحقق نصا مغربيا أن يشفعه بشواهد مناسبة له. بينما تطرقت في الشطر الثاني من المداخلة إلى عرض الطريقة التي سلكها العنبري في الإسهام في توفير آليات تحقيق الأمن العقدي لمواطني بلده في وجه فتنة الطلبة التي تزعمها ابن أبي محلى باعتباره مسلكا مقصديا، راسمة خطوات مشروعه الإصلاحي في عرضه للمسألة والتماس المخارج لها، واضعا لها قواعد وضوابط وقاصدا من وراء ذلك تحقيق عنصر الأمن العقدي في مجتمعه.

وبعد هذه الجلسة فتح باب التعقيبات والمناقشة لجمهور الحاضرين والأساتذة المتدخلين؛ وقد كانت المناسبة سانحة للدكتور عبد المجيد الصغير الذي حضر اللقاء لكي يبدي بعض الملاحظات حول الجانب العلمي في هذه الندوة، فأشار بداية إلى ما يوحي به فضاء المكتبة الداودية من التذكير بالنصيحة التي وجهها له مؤرخ تطوان الفقيه محمد داود للبحث في مجال التصوف وبسببها ألف بعض كتبه في الموضوع، وأثنى في كلمته كذلك على محقق كتاب "المتوسط"، مذكرا بأن شخصية ابن العربي لا يمكن أن تفهم إلا في سياقها التاريخي وما يمثله القرن الخامس الهجري من تحولات فكرية كبرى مشرقا ومغربا مما يمكن أن نصطلح عليها بالثورة السنية في وجه البويهيين والفاطميين.

ثم قام المحققان الدكتوران عبد الله التوراتي وجمال زركي -بعد ذلك-  بالحديث عن إنتاجيهما العلميين؛ فاستهل الدكتور عبد الله التوراتي محقق "المتوسط" كلمته بعبارات الشكر والتقدير في حق المنظمين والمحتضنين لهذا النشاط العلمي المتميز، وفي حق الأساتذة المحترمين أصحاب القراءات العلمية للكتابين موضوع اللقاء. ثم نبّه إلى أن القراءة العلمية لأي كتاب ينبغي أن تروم إبراز معاقده واستشفاف مظاهر التميز والشفوف فيه تحفيزا للمتتبع على قراءته وتشجيعا للمحقق ـ في حال الكتاب المحقق ـ على الإثخان في البذل والسعي والإنعام في التجويد والعطاء. بعد ذلك انعطف الدكتور التوراتي إلى بيان منزلة "الكتاب المتوسط" ضمن المنتوج العلمي للمؤلف؛ حيث ذكّر بالعقود الثلاثة التي اضطلع بها ابن العربي: أولها العقد الأصغر، ثم العقد الأوسط ـ موضوع التحقيق والقراءة ـ، ويليهما العقد الأكبر وهو "المقسط" شرحَ به كتاب المتوسط. بل واستطرد الدكتور في كلمته مبينا موضع هذه العقود ضمن مجموع مؤلفات الرجل؛ فإذا كان جنس من مصنفاته يندرج في باب "استصلاح الأحكام" (من قبيل "أحكام القرآن")، وكان جنس آخر يهم "استصلاح التربية والسلوك" (كـ"سراج المريدين")، فإن العقود الثلاثة ـ يتوسطها كتاب المتوسط ـ تتماهى مع رؤية ابن العربي في "استصلاح العقائد". وهذه المراتب الثلاثة من "الاستصلاح" تنم عن نظرة علمية تكاملية شاخصة لواقع زمانه مُصلِحة لأحواله السلوكية وانحرافاته العقدية والسياسية. وفي مختتَم كلمته، بشّر الدكتور التوراتي جمهور القراء والمتتبعين بقرب صدور ثلاثة أعمال بتحقيقه، ذكر منها: "الدرة الوسطى في مشكل الموطأ" لمحمد بن خلف الإلبيري القرطبي، و"مجموعة رسائل في التلاوة والمتلو" لعدد من متكلمي الغرب الإسلامي.

فيما ركزت مداخلة الدكتور جمال زركي على الحديث عن البدايات الأولى لمشروعه في تحقيق هذا الكتاب، مبينا كيف أن الفكرة أشار عليه بها الدكتور عبد الله المرابط الترغي الذي وجهه لاقتحام هذه المغامرة العلمية، ثم تحدث بعد ذلك عن موضوع الكتاب الذي يتعلق برد فعل مؤلفه الشيخ العنبري أمام تكفير ابن أبي محلي لمجموعة من طلبة المغرب والذي سميت به هذه الحادثة وعُرفت بفتنة طلبة المغرب. 

وفي ختام هذا اللقاء العلمي تقدم الدكتور جمال علال البختي (رئيس مركز أبي الحسن الأشعري) بتجديد شكره لمسيري المكتبة الداودية ـ محتضِني هذا النشاط ـ ولجميع الأساتذة الكرام الذين شاركوا في إثراء القراءات العلمية للكتابين ولجميع الحاضرين، منوها بالجهود المتميزة للمحققيْن معا، وموضحا أن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، يهتم في مجال تخصصه، بالكتاب العقدي كائنا ما كان مصدره، داعيا إلى التعاون بين كافة المتخصصين في ميدان علم الكلام والدرس العقدي لإخراج أعلاقه ونفائسه والسعاية عليها تحقيقا ودراسة وتوظيفا







http://www.achaari.ma/Article.aspx?C=6104


dimanche 9 juillet 2017

تنبيه الغبي إلى قدر النبي صلى الله عليه وسلم، للإمام الحافظ أبي بكر بن العربي المعافري، والكتاب من كتب الفقيه الحافظ الشريف عبد الحي الكتاني رحمه الله


(تخريج أحاديث تحفة الفقهاء)

من الكتب النافعة التي اشتغل بها الفقيه العلامة المحدث محمد المنتصر الكتاني تخريج أحاديث تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي، وشاركه في تخريجها الفقيه العلامة الدكتور وهبة الزحيلي، وقد عُلم عن الأستاذ المنتصر الكتاني احتفاء واعتناء بكتب الحديث وعلومه، وقد كان من أوائل المدرسين لهذه العلوم الشريفة بكلية الشريعة في دمشق، وعُلم عنه دروسه الحديثية في شرح المسند وغيره ببلاد الحرمين الشريفين، وكان لديه ميل ظاهر إلى مدرسة الأثر بالمغرب والأندلس، فنتج عن ذلك كتب مهمة، ما زال غالبها لم ينشر بعد:

الأول: معجم فقه الإمام ابن حزم.

والثاني: معجم فقه السلف.

والثالث: طبقات المحدثين بالمغرب والأندلس.

والرابع: الجامع في سيرة الإمام أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي.

وغيرها من الكتب والأبحاث التي لم يسبقه إلى موضوعها أحد، ولم تكن تدور بخلد من يشتغل بالعلم في زمانه، وهذا هو الذي أهَّله ليشرف على هذا العمل العلمي العظيم، وهو تخريج أحاديث تحفة الفقهاء، وقصد إلى كتاب أُلف في الفقه الحنفي مع ما يشاع من قِبل بعض كَتبة الحديث من ضعف مدارك الأحناف في الحديث والنقد والتنقيد، وابتنائهم لمذهبهم على الرأي والقياس، فكان قصده إلى دحض هذه الفرية التي تناقلها بعض الأغرار من المشتغلين بالحديث، وتميَّز عمله في هذا التخريج بجملة أمور:

أوَّلها: التصريح بمصادره الحديثية والتنقيدية والتعليلية وغيرها، وهو عمل لم يكن يقوم به من اشتغل بهذا اللون من ألوان العلم، بل كان غالب وُكد البعض نقل النصوص دون عزوها إلى أصحابها، ودخل بعض آخر في صنف المستكثرة، وطائفة المتشبعة بما لم تعط، التي ورد فيها الوعيد النبوي؛ لانتحالهم ما ليس لهم، وادعائهم ما ليس في طوقهم ووسعهم، ونهد الشريف الكتاني إلى الدلالة على تلك الموارد التي رجع إليها وأفاد منها، بل ونص في درج كلامه على القائل والمنقول منه، وهذه الخصلة شبه غائبة عن بعض من تعانى هذا العلم الشريف.

ثانيها: الاستدراك على الحفاظ، والتنكيت عليهم، وما كان له ذلك لولا وقوفه على الأسانيد في مظانها، ومعاينته للأصول، ومفاتشته لدواوين أهل الحديث والأثر، وقد رأينا صنيع البعض ممن يقول في تخريجه: أخرجه بقي بن مخلد، وهو إنما رآه في كتب الإمام ابن عبد البر، أو الحافظ ابن حجر؛ فيطوي ذكر واسطته، ويخفي تعيين مصدره.

ثالثها: الحكم على الحديث صحة وضعفا، وقبولا وردا، وهو أمر لم يكن يلتزم به بعض المخرجين، بل كان منهم من يكتفي بسرد موارد الحديث ومظانه دون إشارة إلى صحته أو ضعفه.

رابعها: ولم يكن في هذا التصحيح والتعليل منابذا للأقدمين، بل كان إذا وجد نص حافظ على مرتبة حديث ما ذكر عبارته، وبيَّن ما فيها، ونصَّ على موافقته أو مخالفته.

خامسها: التنبيه على اختلاف النقل عن الترمذي في أحكامه على بعض أحاديث جامعه الكبير، وعدم تطابقها بين النسخ المطبوعة أو القلمية التي بين يدي المؤلف.

سادسها: وفي استدراكه على العلماء كان مراعيا للإنصاف، فحتى جده الإمام الحافظ محمد بن جعفر الكتاني استدرك عليه بعضًا من الأحاديث المتواترة التي كان عليه أن يدرجها في كتابه نظم المتناثر، وهذا يدل على إنصافه ورغبته في خدمة العلم بعيدا عن الأهواء والأغراض.

سابعها: التنبيه على التصحيف الواقع في الكتب المطبوعة، خصوصا في أسماء الرجال وألقابهم وكناهم، وغيرها، وقد رأينا من كان يزعم الحديث وعلومه يصحف في الأسماء تبعا للأصول التي ينقل منها دون بحث ولا نظر.

هذه بعض معالم من هذا التخريج الفريد، والذي يعد مفخرة من مفاخر الشخصية المغربية العالمة، ويلمس الناظر في هذا العمل خِلالا منهجية وأخلاقية غابت عن بعض المنتزين على هذه الصنعة الشريفة، وهي:

الأولى: الدقة والإتقان.

والثانية: الإنصاف.

والثالثة: عفة اللسان.

والرابعة: التواضع.

ولكم تمنينا من عالمنا الفذ وإمامنا الكبير أن ينهض إلى كتاب من كتب أئمتنا المالكية ويقوم بتخريج أحاديثها وآثارها كما صنع في هذا الكتاب، فهو بذلك حقيق، وعليه مقتدر مُطيق.

وفي ختام هاته الكلمة أبشر الإخوة الباحثين المعتنين بالتراث الحديثي دراسة وتحقيقا أننا نشتغل بكتب المحدث العلامة محمد المنتصر الكتاني؛ الحديثية منها على الخصوص.

منها: الجامع في سيرة الإمام بقي بن مخلد رضي الله عنه، وهو كتاب وسيع حفيل لم يؤلف في هذا العصر مثله.

والثاني: كتاب طبقات المحدثين بالمغرب والأندلس، وهو ديوانٌ لم يسبق إليه، ولا حوَّم من حوَّم عليه.

فرحم الله المنتصر الكتاني، ورضي عنه دنيا وآخرة، وجعلنا من العارفين بقدره، والذاكرين لأمره، والحمد لله رب العالمين.


شواهد الاستدلال، لما في مقال د.عبد الله الجباري عن طبعة الأمد الأقصى من نواشز الاختلال، وظواهر الاعتلال

كتبها الأستاذ البحاثة محمد صالح أبو رؤيم.

 

شدَّ ما اشمأزت نفسي وقت قرأت ما كتبه د.عبد الله الجباري -سلمه الله- وسماه نقدا لتحقيق ودراسة د.عبد الله التوراتي الأمدَ الأقصـى للحافظ الإمام القاضي أبي بكر ابن العربي رحمه الله، وسبب ذلك أن النقد -ما علمنا- يجب أن تنماز أخلاط النفس وما يهيج بها عنه، حتى إذا عُرض لجمهرة الباحثين، كان عرضه عرضا علميا صرفا، تُقبل منه ما كان على جدد الصواب، وتُدوول الكلام على ما كان فيه على غير ذاك، مما يحتمل تعدد القراءات، وينتدح له أكثر من رأي، ولكن صاحبنا الدكتور الجباري -سلمه الله- لم يوفق في وضع البرزخ الفاصل بين ذين، وخانته مرجعيته، فلم يوفق أبداً في نقده السالف الذكر كما سنبين إن شاء الله.

وأول ما يجبهك من نقد د.الفاضل -سلمه الله- أنه نقب نقبا على د.التوراتي، يلج منه من شاء، متى شاء، كيف شاء، فمن يقرأ مقدمته، يصحب معه إلى ءاخر المقال أن د.التوراتي «اقتحم العقبة، دون استعداد ولا زاد»، وأن مشرفه «أستاذ متساهل لين الجانب، أو ضعيف عن البحث والتحقيق واهن، فلا ينبه ولا يرشد، في وقت أحوج ما يكون الباحث "المحقق" إلى مرشد»، وأنه «يلج الباب... دون مرشد أو مؤطر، فيقع ويكبو، ويتابع في ذلك كبوة بعد كبوة، فيفسد التراث من حيث يظن أنه يخدمه، ويسيء إليه وهو يدعي الإحسان إليه، مع تطاول في الألفاظ، وادعاء في الاجتهاد، وتلك طامة أخرى»، بل أزيد قولا: إن غالب القرَأَة لا يقرأ المقال كاملا، بل يرنو إلى العنوان ثم مقدمته، ثم يمضي نافجا ريشه، جاعلا حديثه في المجالس أن د.التوراتي ممن يعبث بالتراث، وأنه يسيء، وأنه يدعي...

ثم يمضي قلم د.الجباري -سلمه الله- حتى يكتب: «ولما اطلعت على الدراسة التي قام بها د.عبد الله التوراتي تبين لي أنها تتضمن هنات عديدة، ونقائص كثيرة، فأثارني ذلك إلى أن ألم شعثها، وأجمع متفرقها، في هذه العجالة، حتى تكون نموذجا لمن يقدم على التحقيق فيتلافاها، ولمن يقدم على دراسة المخطوطات فيتحاشاها».ويكتب قُبيل: «ولنا على ما نقول أكثر من نموذج ومثال، وأكثر من كارثة نوردها مورد الاستدلال». ثم يكتب في ءاخر مقالته النقدية: «هذه جملة من الهنات والهفوات التي طغت على الدراسة التي قدم بها الباحث د.عبد الله التوراتي مصنف الإمام ابن العربي المعافري، وغيرها لا يخفى على المطلع اللبيب، أوردتها في هذه الإلماعة حتى يكون الباحثون على بينة منها، وتكون هادية لمن يقدم على التحقيق، حتى لا يقع في أمثال هذه الطوام».

أقول: لعل د.الفاضل سكر من حلاوة النقد، فجعل نفسه مرجعا دون أن يدري، والسكران -ما علمنا- ممن لا يُعقد على ما قاله إصبع حتى تنجلي عنه سمادير السكر، ثم لْيسمح لنا د.الفاضل إن تقدمنا بين يديه بهذه الأسئلة، ولعلها ستكون كوخز الإبر المحماة، فليعذرنا ما استطاع أن يجد إلى العذر سبيلا:

من أنت في مجال التحقيق يا دكتور؟! ومن حضرتك حتى يكون كلامك نموذجا لمن يقدم على التحقيق؟! هل تظن نفسك بحصولك على الدكتوراه أصبحت محققا يرجع الناس لكلامه رجوعا، ويُحتذى احتذاء؟! هل الباحثون ينتظرون قلمك ليكونوا على بينة منها؟! هل من يقدم على التحقيق ينسئه كيما يطلع على الهوادي من إرشاداتك؛ حتى لا يقع في الطوام؟! هل من يختار التحقيق في أطروحة الدكتوراه يهديه مشرفه -وهو النصيح له- إلى أن يضع نصب عينيه -وهو في مسالك التحقيق- كتابَ "كيف تحقق مخطوطا في سبعة أيام"، صنعة د.عبد الله الجباري الباحث في الدراسات الإسلامية؟! ثم لا تنجلي عنا هذه حتى تصفعنا بقولك: «ولنا على ما نقول أكثر من نموذج ومثال، وأكثر من كارثة نوردها مورد الاستدلال»، وهذا كلام نعرف أنه من سابق التنظير، الذي يُجعل من أهوال المطالع، التي تخونها الخواتيم؛ كما سنبينه إن شاء الله.

ثم يقول د.الجباري سلمه الله: إن ما كتبه كان على عجالة، فقل لي بالله، من أعجلك؟! أهو خالص النصح لنابتة المحققين، أم أسيء الظن -مثلك- فأقول إنها شهوة الكلام...

ثمت ابتدأ الدكتور -سلمه الله- بأولى نقداته من الناحية المنهجية، وهي أسلوب د.التوراتي، وذكر أنه أسلوب عذب، متحِف، يذكره أسلوبَ علماء القرن العاشر، وهو أسلوب القصاص، وفي أحسن الأحوال، هو أسلوب الروايات، والمقامات...

فبينا الأسلوب عذب تحفة يعلو به ليذكره بعلماء القرن العاشر -وهي منقبة-، إذ به يسفل ويشبه أسلوب القصاص (لا أدري أهم القصاص قديما أو هم أصحاب القصة الآن)، ثم يزداد انحطاطا وتقامُؤا، ويشبه أسلوب أهل الروايات، التي ظُلمت المقامات بجعلها معها في قَرَن واحد، والذي أعرفه، ويعرفه القراء جميعا أن علماء القرن العاشر لم يكن وقتهم وعقلهم ليفسح لهم أن يكتبوا روايات بمعناها الجديد، ولعمري إنك أردت أن تهجو فمدحتَ، وأن تضع فرفعتَ، وهذه عليك لا لك.

ثم يقول عن الأسلوب: «وهو ما قد يأخذ بألباب القارئ العادي»، أقول: لعل القارئ العادي يقرأ بين السطور أن الدكتور الجباري ليس قارئا عاديا، ولعله يقرأ أيضا أن هذه النسبة (العادي) لا يفهمها ولا يتَعمَّلها إلا القارئ العادي.

ثم يقول الدكتور سلمه الله: «أما البحث العلمي فأسلوبه تقريري محض». أقول: لو تبعنا كلامك لأسقطنا كتب المتقدمين أغلبَها؛ لأن أسلوبها لا يروق لك، ولنبدأ بكتب ابن العربي نفسه، فأسلوبه ليس تقريريا، واستعمالاته اللغوية ليست تقريرية، وتعبيراته كذلك، ثم تدلل علينا بقولك: «وكم شطب الأساتذة المشرفون على عبارات عديدة ضمنها الباحثون أبحاثهم، بدعوى أنها كلام إنشاء»، أقول لك إن هؤلاء (الأساتذة المشرفون) هم من قعدوا بالجامعات والبحوث، وقد عرفنا الجامعات، وعلمنا أساتذتها، ودرينا إشرافهم، إلا أنماطا من الأساتذة الدكاترة، وقليل ماهم!

وأرى أنك سقطت في نحو ما نقمته على د.التوراتي من ناحية الأسلوب؛ من مثل قولك: «تحت إشراف أستاذ ماهر خريت، فأفاد وأجاد، وأخرج السفر المحقق أحسن إخراج، ومنهم من اقتحم العقبة، دون استعداد ولا زاد»، وقولك: «حتى تكون نموذجا لمن يقدم على التحقيق فيتلافاها، ولمن يقدم على دراسة المخطوطات فيتحاشاها»، وقولك: «حتى إذا ذهب يتلمس العلم في ثناياه وجده كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء»، وقولك: «فأثارني ذلك إلى أن ألم شعثها، وأجمع متفرقها»، مع بعدٍ ما بين الأسلوبين كبيرٍ.

ثم تكلم الدكتور -سلمه الله- عن الترجيح بدون مرجح، وقال في ثناياه إن د.التوراتي يعتمد ألفاظ "ويقرب" "ويجوز"، ونقول: والذي يعرفه (البحث العلمي) -حسب تعبير فضيلة الدكتور- أن الإنسان إن قتل وقته بحثا عن شيء، ثم لم يجد له أثرا ولا عيثرا، إلا شُفافة لا تغني في القطع، فله أن لا يقطع، بل عليه ألا يقطع، ويعرض للقارئ ما وصل إليه بدون قطع ولا ترجيح، إن هي إلا انقداحات في النفس من طول البحث والتلبث المكيث، مرة أخرى يا دكتور أردت أن تهجو فمدحتَ!

ثم قلتَ يا دكتور سلمك الله: «أول ما يلاحظ على هذا النص، تكرار لفظ "قرطبة" ثلاث مرات في سطرين، وهو ما قد يغيض علماء القرن العاشر». وأقول لك: وقعت فيما هو أطم وأشنع وأنكى يا دكتور، ويغيظ علماء القرن العاشر والعشرين، بل يغيظ كل من درى حرفا من العربية، ألا تفرق بين الغيض والغيظ؟! ولا تقل هو خطأ من لوحة المفاتيح -التي أظنها أيضا غيظت من هذا- فإن الضاد في اللوحة ليست قريبة من الظاء، وبينهما مفاوز تنقطع فيها أعناق حروف اليَعْمُلات، ويغيض ماء ظهورها...

ثم قلتَ -أبقاك الله- إن إملاء الأحكام بقرطبة في عام 523 هـ، والذي عند د.التوراتي 532، فتنبه -أعزك الله- لمضاغط أصابعك على اللوحة.

ثم ذكر د.الجباري -أبقاه الله- موت ابن العربي رحمه الله مسموما، وقال بعد كلام د.التوراتي: «ويجوز أن يكون قد مات مسموما كما في كتاب الصومعي، ولعله المتعين، والله أعلم». قال دكتورنا الجباري: «فالباحث يرجح أن القاضي ابن العربي مات مسموما». أقول لك أيها الدكتور: راجع عقلك، أو بلفظ أصح: راجع ما غطى على عقلك، وراجع (البحث العلمي) الذي تتبجح به، فإن الباحث إذا قرأ كلام د.التوراتي لا يرجح ما رجحتَه؛ فقد قرر د.التوراتي أن ابن العربي توفي منصرفَه من مراكش، وذكر اسم البُليدة التي توفي فيها، وذكر أنه احتُمل ميتا ودفن بفاس، ثم ذكر شيئا ءاخر وقف عليه عند الصومعي، وصدره بـ"يجوز"، ثم قال: «ولعله المتعين»، فهو عندك بين نارين؛ إما أن يذكر ما وقف عليه، فتصليَه بنار عدم القطع، أو لا يذكره، فتشويَه بنار الاستدراك، كان الله في عونه!

ثم يدلف بنا الدكتور -أعزه الله- إلى مسألة الحشو، وهي مسألة نسبية، بين الأخذ والرد، إن كان رأي الدكتور فيها كما قال، فهو حقيق أن يحترم، ولكن لا يفرضه على غيره، وإن كان سقط فيه أيضا، كما في مقدمته عند الكلام على كتاب شعب الإيمان للقصـري، وعن الكتانيين، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها، وعن الخلفاء الصحابة، وعن مشاهير الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، لكن حشوك هذا من حشو الباذنجان، وحشو د.التوراتي من حشو اللوزنيج، ثمتَ كتبُ علمائنا مليئة بالحشو، وما كتب فخر العربية الجاحظ الذي نفاخر به العالم، ونكاثر به الرمل والحصى عنا ببعيدة، وغيرِه من علمائنا، فلا ندع رأي أسلافنا وعلمائنا إلى رأي ومناهج المستعربين.

وفي مبحث توثيق المعلومة كان الصواب مع د.الجباري في أغلب ما قال، إلا عده خلو الكتاب من جريدة المصادر والمراجع من الكبائر في مجال (البحث العلمي)، وهي ملحوظة -شهد الله- في محلها، وقد ذكرتُها -وغيرَها- للدكتور التوراتي لما صدر الكتاب، ووعد خيرا، غير أن وصف د.الجباري -سلمه الله- لها بالكبائر كدرها.

وفي مبحث قلة التحقيق والتدقيق، ذكر د.الجباري ما نقله د.التوراتي عن الحافظ الشيخ عبد الحي الكتاني -رحمه الله وغفر له- من أن الغزالي تملك بعد تشفُّع، وأخذ عليه تسليمه وإذعانه لها دون تمحيص أو تحقيق، والذي يقال هنا: إن علماءنا عذروا بعضهم فيما هو أشد من هذا، وهو ذكر الحديث الموضوع، فإنهم لم ينقدوا -في الجملة- من ساقه بإسناده، وقرروا أن من أسند فقد برئ، وأن من أحال فقد سلم من التبعة، وأرى أن د.التوراتي ذكر مصدره، وليس هذا من عندياته، فقد برئت ساحته.

وفي مسلك الفَقر في الإحالات، أخذ د.الجباري -سلمه الله- على د.التوراتي قوله: إن للأمد إبرازات ثلاث، وقال: «يجب على "المحقق" أن يحيل على الدارسين الذي قرروا ذلك بعد بحث واستقراء، وإلا فهو مجرد انطباع انقدح في ذهن قائله، وهو أبعد ما يكون عن قواعد البحث والتحقيق». حرتُ والله كيف أرد على هذه، ولا أدري بم أسميها، التوراتي يصدر كلامه بقوله «وقد ظهر لنا»، يعني بعد مقارنة النسخ، ودراستها، ومشاممة أنفاسها، وسمع أجراسها، وأنت تقول له: يجب عليك أن تحيل على الدارسين الذين قرروا ذلك بعد بحث واستقراء، أليس هو باحث مثلهم؟! أم لا يرضيك استقراؤه وبحثه؟! قلها وأرحنا، ثم قلتَ: إنه مجرد انطباع انقدح في ذهن قائله، ولا نختلف معك، ولا أظن التوراتي يختلف معك، ولا ابن العربي يختلف معك، نعم هو انطباع انقدح، يؤيده قول التوراتي: «وقد ظهر لنا»، إلا أنه انقداح من زندِ مُورٍ عايش النسخ، وليس من زندِ صلدٍ يتكلم من علُ، وأزيدك، الأمد الأقصى كتاب أُنُف، ما حام أحد حول حماه، ولا دندن حول مغزاه، إلا شيئا يسيرا، لا يغني فتيلا.

وفي النقطة الثانية من هذا المبحث خصصها د.الجباري -سلمه الله- لما جلبه ابن العربي من كتب في رحلاته، وكان الصواب معه، إلا أنه يمكن أن يرد عليه بأن الدكتور التوراتي ذكر مطلعَ كلامه مصادرَ ترجمة ابن العربي، ومنها أخذ ما أخذ، وهذا نهج يمشـي عليه كثيرون، كأمين الخولي وأبو زهرة...، وكذا يقال عن النقطة الرابعة.

وفي النقطة الثالثة ذكر فيها أن الدكتور التوراتي لم يُحل على مناظرات ابن العربي لأئمة الأشاعرة، وترك القارئ يخوض بحار المتن، وأقول لك: انظر الفهارس فقد خصص فهرسا لهذه المناظرات حتى لا يخوض القارئ بحار المتن.

وفي النقطة الخامسة ذكر -أعزه الله- أن الدكتور التوراتي يلزمه أن يحيل لكل كتاب اتصل بابن العربي بأسانيده، وأنا معك في هذه، وأنبهك إلى خطإ وقعت فيه، وهو قولك: «برنامج أبي عبيد الحجري»، والصواب «ابن عبيد الله الحجري»، كما لا يخفاك، أو كما قد يخفاك.

وفي مبحث نسبة الكتاب، أخذتَ على الدكتور أنه لم يتبع الطريق المسلوك اللاحب الذي يتبعه عامة من يحقق، ولعمري كم كرهتُ هذه للدكتور التوراتي؛ لأنه لم يسلك الجدد المعروف المطروق، في الرسائل الجامعية، والتحقيقات المترادفة المتكاثرة، وأتى بطريقة جديد في إثباتها، كما في ص: 101 وفي ص: 103 من السفر الأول، كم كرهتُها لك يا دكتور التوراتي؛ لأنها صادفت قوما يقولون: إنا وجدنا ءاباءنا.

ومن ناحية المضمون، فقد رأى د.الجباري -سلمه الله- أن دراسة (ترجمة) د.التوراتي لابن العربي هي دراسة (ترجمة) مناقبية بامتياز، وءاية ذلك أنه استدعى بعض أساليب التدليس؛ منها بتره نصا للقاضي عياض، ثم أراد د.الجباري -سلمه الله- أن يستدل لنفسه، فاستدل للدكتور التوراتي من حيث لا يدري ولا يشعر، قال: «عوضهما بنقط حذف»، والتعويض عن المتروك بنقط الحذف إشارة إليه، كما هو معروف في (البحث العلمي)، وليس بترا، ثم إنك ألزمته ما لا يلزمه، وعقدت عليه ما يسهل حله والتنصل منه، فلن يعدم التوراتي جوابا عما حذف، فكان أولى بك -إن كان لا بد لك أن تلززه- أن تسأله عن موجب الحذف، ثم إن ظهر لك أنه لم يوافق ما في نفسك عجتَ عليه بالنقد، ثم الناس كم أكثروا من الطعن على المكثر من الروايات، وقد طُعن على سيدهم الصحابي المكثر أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ثم لا تظن أن القاضي عياضا يطعن في شيخه ابن العربي، إنما هو حاك ما عاشه شيخه، ولو كان ممن يطعن عليه ما استجاز أن يتلمذ له.

ثم نقمتَ -أعزك الله- على د.التوراتي إيراده لكلام ابن عذارى دون القاضي، وقلتَ: «والراجح أنه اعتمد الأخير دون الأول؛ لأنه يفيده في الكتابة المناقبية عن المصنف؛ لأنه عزا عزل القاضي عن منصبه إلى ثورة السفلة، وهيجان الأشرار، لا إلى الطعن في حديثه بعد كثرة غرائبه مما قد يكون سببا في نقصان وقاره، أو غير ذلك مما يستلزمه القاضي»، أقول: خفي عليك وجه إيراد نص ابن عذارى، فطعنتَ على التوراتي، وكذّبتَ ابن عذارى دون أن تحس، والوجه في إيراد ما أورده التوراتي أنه نص دال على أن التولية والصرف من القضاء كان قبل القاضي وبعده، سيرة يسير بها المتولون الشأن، فما اختُص القاضي به وحده، فاطعنْ إذاً على الذين ذكرهم ابن عذارى وهم سبعة، ومنهم الباجي وابن شريح المقرئ وغيرهما، ثم إنه ازور عنك وجه كلام القاضي عياض؛ لأنك فهمتَ عنه أنه عزا عزل ابن العربي إلى كثرة حديثه ومروياته، ونصُّ كلام القاضي: «وولي القضاء مدةً ثم صرف، وكان فهماً نبيلاً، فصيحاً حافظاً أديباً شاعراً كثير الخير مليح المجلس، ولكثرة حديثه وأخباره وغرائب حكاياته ورواياته ما أكثر الناس فيه الكلام وطعنوا في حديثه» هذا نصه في مطبوعة الغنية، وكان الأولى بمحقق الغنية أن يضع نقطة عند نهاية «صرف»، ثم يرجع لأول السطر؛ لأن الكلام ابتدائي، ولو كان ما فهمتَه هو ما أراده القاضي عياض لقال: «ثم صرف... لكثرة ...»، وإلا للزمك أيضا أن تقول: صرف لأنه كان فهما نبيلا فصيحا حافظا أديبا شاعرا كثير الخير مليح المجلس، والقاضي عياض رحمه الله بعد هذا كله قد حصر المسند والمسند إليه في قوله «ولكثرة حديثه... أكثر الناس الكلام فيه وطعنوا في حديثه».

ثم اسمع للدكتور السليماني يقول في دراسته للقانون: «وتتفق كلمة المؤرخين على أنه كان مثال العدل والاستقامة، صُلْباً في الحق، لا تأخذه في الله لومةُ لائم» وقال تلميذ القاضي ابن بشكوال قبله: «استقضى ببلده فنفع الله به أهله لصرامته وشدته، ونفوذ أحكامه، وكانت له في الظالمين سَورة مرهوبة». وقال المقري: «مع الرفق بالمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وانظر أيضا ما كتب في الديباج المذهب، والعبر للذهبي، والمرقبة العليا، ولعل هؤلاء أيضا مدلسون، وعشقوا ابن العربي كما عشقه التوراتي، وإن كنتُ استحييتُ من وصفك ابن العربي بالمعشوق!

واسمع أيضا ما قاله ابن العربي عن نفسه في هذا الباب، (نقلته من دراسة د.السليماني في مقدمة القانون) قال في سراج المريدين عند شرح قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ): «لما علم من قوة نفسه، ورأى من تضييع الحق وتعطيل الحدود، وفساد الخلق في الأرض، ما حمله على إرادة إظهار الحقوق، ففي ذلك إسوة لمن قَدَرَ من نفسه على القيام بالحق أن يَقْبَلَهُ إذا جُعِلَ إليه.

ولقد اقتديت إسوة بذلك، مع أني من أكثر الخلق ذنوباً وعيوباً، وأقلهم منزلةً به، فإني لما دعيت إلى ولاية القضاء قَبِلْتُه مختاراً لثلاثة أوجه:

أحدها: سر ما بيني وبين الله.

والثاني: معاينتي للباطل قد دمّر الأرض، فأردت أن أصلح ما تمكنت منها، من كف الظلم والاعتداء ، وبث الأمن، وحفظ الأموال، وكف الأطماع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفك الأسير، والتحصين على الخلق بالسور، والمساواة في الحق بين الصغير والكبير، فحكمتُ حتي أرِجَت أقْطَارِي، وَرُفِعَ السَّمَر بِأخْبَارِي، فَضَجَّ العُداة، وظهر الولاة حين صَفِر وِطَافُهُم (كذا) من الحرام، وابيضت صحائفهم من الآثام، فَدَسُّوا إليّ نفراً من العامة فثاروا علي، وساروا إليّ، فَنُهِبَت داري، وهم قيام ينظرون، ولا يغيرون ولا ينكرون، فانتشلوا مالي، وهدموا مسجدي وداري...، وتعرضوا لنفسي فَكَفَّ الله أيديهم عني، ولقد وطّنتها على التلف وأنا أنشد لخُبَيْب:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً * عَلَى أيِّ جَنْبٍ كَانَ في الله مَصْرَعِي

وأمسيت سليب الدار، ولولا ما سبق من حسن الأقدار لكنت قتيل الدار.

الثالث: أن الناس كانوا يظنون أن الأرض خالية عن سياسة درب بالخلق، درب بإقامة الحق فأردت أن أكشف لهم عن بنات صدري، وأعلمَهُم كيفية وِرْدِي في الأمر، وفي صحيح الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لِسَمُرَة: " لاَ تَسَل الإمَارَة، فَإِنَّكَ إِنْ سَألْتَهَا لَمْ تُعَنْ عَلَيْهَا، وَإنْ أُعْطِيتَها مِن غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا".

وهذا وإن كان من قول يوسف خبراً عن شريعته، فإن الشـرائع في هذا الباب متماثلة؛ لأنّه من باب التعاطي المذموم في كل ملّة، المناقض للتواضع المحمود في كل دين». انتهى كلامه رحمه الله، وما أشد تدليسه! وما أكثر عشقه لنفسه!

ثم نختم هذه النقطة بالنظر إلى قولك: «والراجح أنه اعتمد الأخير دون الأول، لأنه يفيده في الكتابة المناقبية عن المصنف، لأنه عزا عزل القاضي»، ونذكرك بقولك سابقا:: «أول ما يلاحظ على هذا النص، تكرار لفظ "قرطبة" ثلاث مرات في سطرين، وهو ما قد (يغيض) علماء القرن العاشر». فنقتفي أثرك ونقول نحن أيضا: وأول ما يلاحظ على هذا النص، تكرار لفظ "أنه" ثلاث مرات لكن في سطر واحد، وليس في سطرين، وهو ما قد يغيظ علماء القرن العاشر:

وأول راض سيرةً من يسيرها

ثم ذكر د.الجباري -سلمه الله- منزلقات وأشياء في المنهج المناقبي هي صبيانية وتافهة بحيث قراءتها تدل عليها، منها أنه قال: «أورد في الصفحة نفسها (60) نصا مطولا عن المصنف يبين من خلاله منهجه في تصنيف الأمد الأقصى، واتخذه المحقق عنوانا على نبوغه، ومن تأمل ذلك النص لا يلمس فيه أدنى نبوغ، ويكفي أن منه قول المعافري: "والنظر في معنى الاسم لغة …"، ومعلوم أن الباحث المبتدئ في أي علم يبدأ في التعريف اللغوي للأسماء، فهل نسميه نابغة ورائدا؟»

أقول: كلام ابن العربي هو «النظر في معناه لغة»، وليس كما أثبتَه وتصرفتَ فيه، ولو أنك لم تضعه بين حاجزين لما لـمتك، ولكن لما أشرتَ إلى علامة التنصيص، لزمك أن تأتي بكلامه كما هو، وهذا منك تصرف يمجه (البحث العلمي) الذي تتبجح به وتجر ذيلك بطرا به، ثم إن د.التوراتي عد ثلاثة عشر وجها من دلائل النبوغ، وذكر الدكتور الجباري واحدا، فانظر أيها القارئ الكريم كيف سل واحدا من ثلاثة عشر، ليتأتى له ما يريد، ولتعلم أنه مدلس بارع، وأنه أحق الناس بما يرمي به غيره.

ثم إن التوراتي لم يأت شيئا من لدنه، بل أخذها من كلام ابن العربي نفسه، عند كلامه على الوجه العاشر، في ءاخر السفر الثاني من الأمد، قال: «وهذه سبيل لم نسبق إليها، ولم نزحم عليها، لا تبقي نظرا ولا إلباسا». وأقول: قد بدأ يتأكد عندي شيئا فشيئا أن د.الجباري يحاول -والله أعلم- لمز ابن العربي، ويجمجم بذلك ولا يبديه.

ثم قال د.الجباري تحت نقطة ابن العربي وحكاية الإجماع: «قال "المحقق" التوراتي ص 46: "والأمد من موارد الإجماع التي أغفلها ابن القطان الفاسي في كتابه الإقناع"،وكأنه يعاتب ابن القطان أو يستدرك عليه، ولنا على هذا ملاحظات». ثم ساقها، والدكتور الجباري لم يفهم كلام التوراتي، وينقد كعادته، ولَـمَّا يؤصل لنقده بحسن الفهم أولا، فالتوراتي يقصد أن ورود الاسم في الكتاب والسنة كاف لجعله موضع إجماع؛ لأن ذين محل اتفاق بين العلماء قاطبة، فلا يتصور عالم مخالف لما ورد في الكتاب وصحيح السنة، والحافظ ابن القطان رحمه الله في كتابه الإقناع أورد ما وقف عليه من مواضع الإجماع، وعمله كان قائما على استقراء وجمع مواضعه أينما وجدها بتتبع ونفاذ واستيقاظ، وكم حكى من مواضع إجماع عُلم فيها المخالف، ولكنه إما مخالف ضعيف، أو لم يصح عند ابن القطان كما نبه عليه، وابن العربي قد ذكر في كتابه الأمد إجماعات للأمة، كما تجده عند ذكر القدرة والعلم وغيرها...، أما لم أغفلَ ابنُ القطان إجماعات الأمد، فلا أعرفه أنا، ولم يذكره الدكتور التوراتي، فليجد علينا به الدكتور الجباري سلمه الله، وليتركها منة في عنقنا.

ثم نقول: ولنا عليه فواقر وطامات، فقد قال إن الاجماع لا يعتمد فيه إلا على الحافظ واسع الرواية، ففهم منه بالضرورة أن ابن العربي ليس حافظا ولا واسع الرواية، وقد نسـي أنه قرر قبلُ أن الناس طعنوا عليه لكثرة حديثه وأخباره، وغرائب حكاياته ورواياته، ثم وصفَ ابن العربي بالقصور، وهذه قاصمة الظهر، وقال في نقطة أخرى عند حديثه على ابن العربي ورواية التحديث: إنه حافظ على طريقة الفقهاء، وهذا الكلام كله أخذه أو استوحاه من الشيخ الحافظ المحدث أحمد ابن الصديق رحمه الله وغفر له، ودلس على القراء الكرام بإيراده هكذا غفلا من النسبة، كأنه من عندياته، في حين أنه يشدد الوطأة والنكير على د.التوراتي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

وهذه نقطة أخرى تجرنا إلى الحديث عن الحافظ وشروطه والاختلاف في تعريفه عندهم، ومتى ظهرت هذه التسمية بالحافظ على طريقة الفقهاء، وهل تسلم لابن الصديق، وهل هو في درجة تصلح له أن يحكم على الحافظ ابن العربي، مع ما عرف عنه -رحمه الله وغفر له- من الطعن على من هو أكبر من ابن العربي وأحفظ من ابن العربي، ولتذهب بعدُ الدراسات الأكاديمية و(البحث العلمي) إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، إذا كانت لا تعلمنا إلا التقحم والتجرؤ على الكبار.

وأما تقديمك ابن حجر على ابن العربي رحمهما الله، ففعلة يضحك منها طلاب البيقونية، واستدلالك على أن ابن حجر أكثر من التعقب عليه، وإظهار أخطائه وأوهامه، مردود عليك من أوجه:

* الأول: أتحداك أن تأتي بهذا الإكثار.

* الثاني: لو أتيت به، للزمك أن تسقط غيره ممن تعقبهم ابن حجر، وفيهم كبار.

* الثالث: ذكرتَ إكثار ابن حجر من النقد، ولم تذكر إكثاره من الإشادة بابن العربي والتنويه، و(البحث العلمي) و(العمل العلمي الأكاديمي) يمج هذا ويأباه أيها الدكتور الباحث في الدراسات الإسلامية.

ثم ننبه على خطإ وقع فيه د.الجباري -حفظه الله من نفسه- عند الإحالة على ذكر كتاب في الموضوع، قال إنها في صفحة: 58، والصواب في صفحة: 54، ثم ذكر كتابا ءاخر لابن برجان، وأزيد أنه لو تأمل د.الجباري للحظ بأدنى جهد أن إيراده هذا الكلام ينسف ما قد بناه قبلُ عندما قال إن ترجمة د.التوراتي لابن العربي كانت مناقبية بامتياز.

وفي نقطة الجديد في ترجمة ابن العربي، قال د.الجباري إن التوراتي اعتمد وثيقتين جديدتين؛ «أولاهما تظهر لأول وهلة، والثانية نقلها عن غيره، فنقض بهذا الاعتراف جِدّتها».

وأقول -على أحسن الأحوال-: لا يريد د.الجباري أن يفهم الكلام، فالتوراتي قال عن الوثيقة الثانية: إنها في كتاب الوصول لابن العربي، وهي في نسخة خزانة ابن يوسف، وقال في الحاشية أسفلُ إن د.السليماني ذكرها وأوجز الكلام عليها، وأحال في الصفحة الموالية على دراسة د.السليماني، والناظر فيما عند التوراتي وما عند السليماني يتبين له أن التوراتي ذكر أشياء من هذه الوثيقة لم يذكرها السليماني، مثل خروج والد ابن العربي إلى لبلة، ومثل صاحب المواريث، ومثل رؤيا والد ابن العربي المتعلقة بوفاته وغيرها...، فبان أن د.التوراتي قد وقف على الوثيقة، وأحال إلى من ذكرها قبله -أمانة وإشادة- لمزية السبق.

وباقي ما ذكر د.الجباري -سلمه الله- من ملحوظات حول هذه النقطة، إنما هي بين إلزامات لا تلزم، كقوله: «كان حريا به...»، و«كان أجدى»، أو إشارات خفيفة جدا، كقوله عن تكرار "قد"، والذي يظهر -والله أعلم- في هذه النقطة أن د.الجباري إنما نفِس على د.التوراتي ما استخرجه من بطون الكتب، ويريد التشويش على القراء الكرام.

ثم ختم د.الجباري مقاله (النقدي) ببياضات الدراسة التي قال فيها « كان على الباحث الشاب أن يشمر عن ساعد الجد، وأن يحقق أمورا عديدة في هذه الدراسة»، فلما نظرنا إلى هذه الأمور وجدنا منها موقف ابن العربي من ءال البيت، وهذا أيضا مستوحى من كلام الشيخ أحمد ابن الصديق غفر الله له ورحمه، فإنه من رمى الحافظ ابن العربي بالنصب، وقال عنه أشياء أخرى كبيرة كثيرة، لو أرادها لسردناها له.

وأما قوله عن محاولة حرق السلطان المريني لقبره وعدم اعتناء المغاربة به، فأحيل القراء الكرام على ما قاله ابن مرزوق عن عالم السلاطين المرينين، وأزهدهم وأورعهم وأتقاهم، المشهور بأبي الحسن المريني، قال:«ويكثر بفاس زيارة القاضي أبي بكر ابن العربي» "المسند الصحيح الحسن: 142"، وأحيلهم أيضا على ما قاله الشيخ عبد الحي الكتاني -رحمه الله- أنه لما تزوج المولى إسماعيل لالة خناثة بنت بكار، أمرت عامل فاس الرويسـي ببناء قبره، ففعل، وهي الروضة القائمة الآن، وبالغ في إحكام صنعها وإتقانها والإبداع في ذلك، واستصدرتْ أمر بعلها السلطان فجعل الضـريح روضة أمن وأمان... إلى ءاخر كلامه، وهو في إعلام الحاضر والآت بما في السلوة من الهنات (1/158ق).

وأما قوله عن مكانة ابن العربي في المذهب الأشعري وما يتبعها، فنعم، هي إشارة جيدة منك، تجدها إن شاء الله في كتاب ابن العربي "المتوسط في الاعتقاد" وقد حققه صاحبك د.التوراتي، فانظره على عجالة أيضا تجد ما يشفي غليلك إن شاء الله.

ثم ختم د.الجباري سلمه الله بقوله: «هذه جملة من الهنات والهفوات التي طغت على الدراسة التي قدم بها الباحث الدكتور عبد الله التوراتي مصنف الإمام ابن العربي المعافري، وغيرها لا يخفى على المطلع اللبيب، أوردتها في هذه الإلماعة حتى يكون الباحثون على بينة منها، وتكون هادية لمن يقدم على التحقيق، حتى لا يقع في أمثال هذه الطوام»، وقد بينا أنها -إلا ما ندر- مجرد تسويدات للورق، وتحليات بحلية قريبة من السرَق، كما يقول ابن العربي، وأن الباحثين المقدمين على التحقيق ما حسوا بوجود د.الجباري في الدنيا أصلا، وليته قدم لنا كتابا محققا من صنعته، حتى نقارن بين عمل التوراتي وبين عمله، ويبين الصبح لذي عينين، وتنجلي الغشاوة عن أهل الرين، أما أن يقدم للباحثين كَلاما كِلاما، ويزعم أنه نقد، ثم يزداد زعامة ويقول إنه يكون صوى للباحثين في طريق التحقيق، فقد قال الجاحظ قديما: «عقل المنشئ مشغول، وعقل المتصفح فارغ».

فارجع سعادة الدكتور -أبقاك الله- للمهيع اللاحب، وانقد بإنصاف، يسمع لك الناس، ويلتمسوا لك العذر فيما جانبت فيه الصواب، ثم إن من أول شروط النصيحة هو الستر، فلو أرسلت للدكتور التوراتي ما لحظته على كتابه، حتى إذا لم يقبل منك، فانشره، ولك نيتك إن شاء الله، والآخرة خير وأبقى...

وقد بينا في مقالنا هذا ما كنتَ فيه على صواب، ووافقناك عليه، وإن كنتَ خلطت فيه عملا صالحا وءاخر سيئا، فقعدتَ تحت المثل القائل: لما أنضج أخوك رَمَّد، وبينا ما جانبك فيه الصواب، فأظهرنا لك -إن قبلته منا- وللقراء الكرام الصواب فيه إن شاء الله، ولستُ أزعم بعد كل هذا أن د.التوراتي أو غيره يجل عن النقد، معاذ الله! ومن زعم ذلك فقد أصيبت مقاتله، وأعطى من نفسه للناس نير عنقه، يقودونه كما شاءوا، وينيخونه كيف شاءوا، ويزعجونه -عنه- متى شاءوا.

هذا ما كنت كتبته، ثم اطلعتُ بأخرة على ما كتبه الدكتور الجباري في صفحته على الفايسبوك، فقال فيها عن طبعة الدكتور التوراتي والأستاذ أحمد عروبي إنها طبعة تجارية، فوصف طبعة اعتمدت نسخا ثمانية للتحقيق بالتجارية، وقد نسي في أول مقاله النقدي قوله عنها: «وقد وقفت مؤخرا على كتاب أندلسي قشيب»، ونسي أيضا أنه قال إنه لم يطلع بعدُ على التحقيق، ولم ينظر إلا في الدراسة نظرة عجلى، فلم يصبر حتى أبان عما لا أسميه، فما بقي معه كلام، وعلى التحقيق وأهله السلام.


الكتاب المتوسط في الاعتقاد والرد على من خالف السنة من ذوي البدع والإلحاد، لإمام الأئمة وزين الملة الحافظ الناقد النظار أبي بكر بن العربي المعافري، تحقيق الدكتور عبد الله التوراتي


 

الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى للإمام الحافظ أبي بكر بن العربي المعافري الإشبيلي، ضبط نصه وقدم له الدكتور عبد الله التوراتي، خرج أحاديثه ووثق نقوله الأستاذ أحمد عروبي، صدر عن دار الحديث الكتانية في مجلدين عام 2015م


 

الابتهاج بصدور السراج
الحمد لله رب العالمين، وبه أستعين.
وبعد:
فقد صَدَرَ لي -بتحقيقي وعنايتي- عن دار الحديث الكتانية العامرة؛ كتاب: «سراج المريدين في سبيل الدين، للاستنارة بالأسماء والصفات في المقامات والحالات الدينية والدنيوية، بالأدلة العقلية والشرعية؛ القرآنية والسُّنِّيَّة، وهو القسم الرابع من علوم القرآن في التذكير»، إملاء إمام الأئمة وزَيْن الملة الفقيه الحافظ الناقد أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المعافري الإشبيلي رضي الله عنه، المتوفَّى عام 543هـ، في ستة أسفار؛ في قريب من ثلاثة آلاف صفحة، مُحَقَّقًا على عَشْرِ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ، إحداهنَّ عليها خَطُّ الإمام ابن العربي.
وهو كتاب لم يؤلف في الإسلام مثلُه، ولم ينسج أحدٌ على وَفْقِ نَسْجِه؛ فريدٌ في بابه، فريد في فصوله، فريد في معانيه، فريد في نكته، فريد في تحقيقاته، آية من آيات الله على رفعة هذه الأمة، وعلى جلالة علمائها.
 وقصد الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي في هذا «السراج» إلى النظر في علم التذكير، وهو علم موضوعُه تزكية النفس؛ وترقيتها في المقامات والأحوال، والأسماء والصفات، وما ينبغي لها أن تتحلَّى به، ونَظَمَهُ على نمط بديع في الترتيب، مراعيًا محجة التأليف، ونسق التصنيف، مع المناسبة بين الأسماء، وما تحتها من معاقد الأبواب.
وجعله في بابين كبيرين:
الأوَّل: قسم المقامات، وهي أربع مقامات، وهي: السِّفْرُ الأوَّل من الكتاب.
الثاني: قسم الأسماء والصفات، وهي: مائة وخمسة وعشرون اسمًا وصفة، وهي: السِّفْرُ الثاني، والثالث، والرابع.
وعمل معي في هذا الكتاب أخونا المقرئ البحَّاثة الأديب العَرُوضِي سيِّدي محمد صالح المَتْنُوسِي، فخرَّج أشعاره، وبيَّن بحورها، وتفنَّن في ذلك التفنن البليغ، حفظه الله للعلم والعلماء، وأوزعني بِرَّه وحُسْنَ صحبته.
وبلغت عدة الأحاديث التي خرَّجتها وبيَّنت درجتها؛ صحةً وضعفًا، وتعليلًا ونقدًا، 2500 حديث، ومن الآثار: 2000 أثر، وأمَّا أقوال المفسرين وأنظار المتكلمين وإشارات المتصوفين فهي بحر خضم، وسيل جارف، وفَّقني الله للكشف عن مصادرها ومواضعها، بعد جهد وعناء، وشدة بحث وتعب.
وقد قدَّمنا للكتاب بدراسة جاءت في سِفْرٍ يحمله فَرَس، ويضيء كالقَبَس، ذكرنا فيه: زمن إملائه، وبواعث تصنيفه، وموضوعه وفنه الألصق به، ومحاسنه ومزاينه؛ وجعلناها في اثني عشر قُطْبًا، وكل قطب في فصول، وكل فصل في مباحث، وكل مبحث في مسائل، وكل مسألة في فروع، وهكذا إلى أن يكتمل الكلام، ونقضيَ المفترض، وننفذ إلى الغرض.
وذكرنا فيه -أيضًا- نظامَ ترتيبه، وأساس تقريبه، وفيه فصول مبتكرة، وأفهام منتخبة، وأنظار لم يقع الكشف عنها إلَّا فيه، مع اللفظ الجزيل، والمعنى الفخيم، والتحليات المنشودة المرصودة.
ثم ذكرنا مصادره، وهي بإحصائنا قد ناهزت السَّبْعِينَ، وفيها ما استخرجناه بالمناقيش، ومنها ما لم يكن معروفًا من قبل، وذكرنا أسانيده إليها، نَحَتْنَاهَا نَحْتًا، واستنجثناها من الحَجَرِ الصَّلْدِ، وتتبَّعناها في دواوين لم يقع الكشفُ عنها من قبل، ومعها النادرة المستعذبة، والنافلة المستجلبة.
ثم جعلنا بعده فصلًا ترجمناه باسم «طبقات المفيدين من السراج وأعيانهم»، ذكرنا فيه من نَقَلَ من السراج، ومن أفاد، ومن احتفى واحتفل، ومن اعتنى فما انفتل، وأحصيناهم واحدًا واحدًا، من زمان القاضي أبي بكر إلى يوم الناس هذا، ورتَّبناهم على الطبقات، وذكرناهم ومواضعهم، آيةً على ارتفاع «السراج»، ودلالةً على مكانته ومنزلته، وما رفعه الله لا يضعه أحدٌ من العالمين.
وذكرنا نَقَدَةَ «السراج»، وعقدنا أبوابًا في النظر في جملة منقودهم، وأثبتنا من كان معه دليله، ورَدَدْنَا ما كان ضعيفًا غير معتبر.
وبعده ذكرنا رُوَاةَ السراج، ومختصريه، ومُحَشِّيه، وذكرنا من كان مالكًا لنسخه عارفًا بها، ومن كان متشوفًا إليها متشوقًا.
وبعده ذكرنا نُسَخَنَا العَشَرِيَّة، ووصفناها وأطلنا في ذلك، بما فتح الله علينا في هذا الباب، وقد جاء فصلًا مُمْتَدًّا، مع ما تضمَّنه من قواعد التحقيق ونفائس التدقيق.
وسادسُ هذه الأسفار جعلناه خالصًا للفهارس، وهي 25 فهرسًا، ذكرنا فيها مستغربات «السراج» ومستعذباته، ومشيخته، ومشاهداته، وأشعاره، والأحاديث التي ضعَّفها وأعلَّها، وفهرس الحدود والتعريفات، وغيرها من علوم «السراج».
هذا وسيكون «سراج المريدين»  -إن شاء الله- حاضرًا في معارض الكتب القادمة، وننتظر وصوله في وقت قريب لنحتفي به أَبَرَّ احتفاء وأحفله، ولو حقَّقه غيري لقُلْتُ فيه أَكْثَرَ من قولي.
وأذكرُ جمعًا من أهل العلم كان لهم فضل كبير في إخراج هذا الكتاب، وهم:
أستاذنا العلَّامة الدكتور أحمد شوقي بِنْبِين؛ مدير الخزانة الملكية.
وصاحبنا  البحَّاثة الدكتور الشريف حمزة الكتاني.
وصاحبنا الأستاذ البحَّاثة الشريف خالد السباعي.
والدكتور البحَّاثة توفيق العبقري؛ الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش.
والدكتور البحاثة رضوان الحَصْرِي.
وغيرهم من إخواننا وأصحابنا ومُحِبِّينَا؛ وفضلهم لا ينكر، ومعروفهم يشكر ولا يكفر، نفعني الله بصحبتهم، وجعلني بارًّا بهم.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.