dimanche 9 juillet 2017

شواهد الاستدلال، لما في مقال د.عبد الله الجباري عن طبعة الأمد الأقصى من نواشز الاختلال، وظواهر الاعتلال

كتبها الأستاذ البحاثة محمد صالح أبو رؤيم.

 

شدَّ ما اشمأزت نفسي وقت قرأت ما كتبه د.عبد الله الجباري -سلمه الله- وسماه نقدا لتحقيق ودراسة د.عبد الله التوراتي الأمدَ الأقصـى للحافظ الإمام القاضي أبي بكر ابن العربي رحمه الله، وسبب ذلك أن النقد -ما علمنا- يجب أن تنماز أخلاط النفس وما يهيج بها عنه، حتى إذا عُرض لجمهرة الباحثين، كان عرضه عرضا علميا صرفا، تُقبل منه ما كان على جدد الصواب، وتُدوول الكلام على ما كان فيه على غير ذاك، مما يحتمل تعدد القراءات، وينتدح له أكثر من رأي، ولكن صاحبنا الدكتور الجباري -سلمه الله- لم يوفق في وضع البرزخ الفاصل بين ذين، وخانته مرجعيته، فلم يوفق أبداً في نقده السالف الذكر كما سنبين إن شاء الله.

وأول ما يجبهك من نقد د.الفاضل -سلمه الله- أنه نقب نقبا على د.التوراتي، يلج منه من شاء، متى شاء، كيف شاء، فمن يقرأ مقدمته، يصحب معه إلى ءاخر المقال أن د.التوراتي «اقتحم العقبة، دون استعداد ولا زاد»، وأن مشرفه «أستاذ متساهل لين الجانب، أو ضعيف عن البحث والتحقيق واهن، فلا ينبه ولا يرشد، في وقت أحوج ما يكون الباحث "المحقق" إلى مرشد»، وأنه «يلج الباب... دون مرشد أو مؤطر، فيقع ويكبو، ويتابع في ذلك كبوة بعد كبوة، فيفسد التراث من حيث يظن أنه يخدمه، ويسيء إليه وهو يدعي الإحسان إليه، مع تطاول في الألفاظ، وادعاء في الاجتهاد، وتلك طامة أخرى»، بل أزيد قولا: إن غالب القرَأَة لا يقرأ المقال كاملا، بل يرنو إلى العنوان ثم مقدمته، ثم يمضي نافجا ريشه، جاعلا حديثه في المجالس أن د.التوراتي ممن يعبث بالتراث، وأنه يسيء، وأنه يدعي...

ثم يمضي قلم د.الجباري -سلمه الله- حتى يكتب: «ولما اطلعت على الدراسة التي قام بها د.عبد الله التوراتي تبين لي أنها تتضمن هنات عديدة، ونقائص كثيرة، فأثارني ذلك إلى أن ألم شعثها، وأجمع متفرقها، في هذه العجالة، حتى تكون نموذجا لمن يقدم على التحقيق فيتلافاها، ولمن يقدم على دراسة المخطوطات فيتحاشاها».ويكتب قُبيل: «ولنا على ما نقول أكثر من نموذج ومثال، وأكثر من كارثة نوردها مورد الاستدلال». ثم يكتب في ءاخر مقالته النقدية: «هذه جملة من الهنات والهفوات التي طغت على الدراسة التي قدم بها الباحث د.عبد الله التوراتي مصنف الإمام ابن العربي المعافري، وغيرها لا يخفى على المطلع اللبيب، أوردتها في هذه الإلماعة حتى يكون الباحثون على بينة منها، وتكون هادية لمن يقدم على التحقيق، حتى لا يقع في أمثال هذه الطوام».

أقول: لعل د.الفاضل سكر من حلاوة النقد، فجعل نفسه مرجعا دون أن يدري، والسكران -ما علمنا- ممن لا يُعقد على ما قاله إصبع حتى تنجلي عنه سمادير السكر، ثم لْيسمح لنا د.الفاضل إن تقدمنا بين يديه بهذه الأسئلة، ولعلها ستكون كوخز الإبر المحماة، فليعذرنا ما استطاع أن يجد إلى العذر سبيلا:

من أنت في مجال التحقيق يا دكتور؟! ومن حضرتك حتى يكون كلامك نموذجا لمن يقدم على التحقيق؟! هل تظن نفسك بحصولك على الدكتوراه أصبحت محققا يرجع الناس لكلامه رجوعا، ويُحتذى احتذاء؟! هل الباحثون ينتظرون قلمك ليكونوا على بينة منها؟! هل من يقدم على التحقيق ينسئه كيما يطلع على الهوادي من إرشاداتك؛ حتى لا يقع في الطوام؟! هل من يختار التحقيق في أطروحة الدكتوراه يهديه مشرفه -وهو النصيح له- إلى أن يضع نصب عينيه -وهو في مسالك التحقيق- كتابَ "كيف تحقق مخطوطا في سبعة أيام"، صنعة د.عبد الله الجباري الباحث في الدراسات الإسلامية؟! ثم لا تنجلي عنا هذه حتى تصفعنا بقولك: «ولنا على ما نقول أكثر من نموذج ومثال، وأكثر من كارثة نوردها مورد الاستدلال»، وهذا كلام نعرف أنه من سابق التنظير، الذي يُجعل من أهوال المطالع، التي تخونها الخواتيم؛ كما سنبينه إن شاء الله.

ثم يقول د.الجباري سلمه الله: إن ما كتبه كان على عجالة، فقل لي بالله، من أعجلك؟! أهو خالص النصح لنابتة المحققين، أم أسيء الظن -مثلك- فأقول إنها شهوة الكلام...

ثمت ابتدأ الدكتور -سلمه الله- بأولى نقداته من الناحية المنهجية، وهي أسلوب د.التوراتي، وذكر أنه أسلوب عذب، متحِف، يذكره أسلوبَ علماء القرن العاشر، وهو أسلوب القصاص، وفي أحسن الأحوال، هو أسلوب الروايات، والمقامات...

فبينا الأسلوب عذب تحفة يعلو به ليذكره بعلماء القرن العاشر -وهي منقبة-، إذ به يسفل ويشبه أسلوب القصاص (لا أدري أهم القصاص قديما أو هم أصحاب القصة الآن)، ثم يزداد انحطاطا وتقامُؤا، ويشبه أسلوب أهل الروايات، التي ظُلمت المقامات بجعلها معها في قَرَن واحد، والذي أعرفه، ويعرفه القراء جميعا أن علماء القرن العاشر لم يكن وقتهم وعقلهم ليفسح لهم أن يكتبوا روايات بمعناها الجديد، ولعمري إنك أردت أن تهجو فمدحتَ، وأن تضع فرفعتَ، وهذه عليك لا لك.

ثم يقول عن الأسلوب: «وهو ما قد يأخذ بألباب القارئ العادي»، أقول: لعل القارئ العادي يقرأ بين السطور أن الدكتور الجباري ليس قارئا عاديا، ولعله يقرأ أيضا أن هذه النسبة (العادي) لا يفهمها ولا يتَعمَّلها إلا القارئ العادي.

ثم يقول الدكتور سلمه الله: «أما البحث العلمي فأسلوبه تقريري محض». أقول: لو تبعنا كلامك لأسقطنا كتب المتقدمين أغلبَها؛ لأن أسلوبها لا يروق لك، ولنبدأ بكتب ابن العربي نفسه، فأسلوبه ليس تقريريا، واستعمالاته اللغوية ليست تقريرية، وتعبيراته كذلك، ثم تدلل علينا بقولك: «وكم شطب الأساتذة المشرفون على عبارات عديدة ضمنها الباحثون أبحاثهم، بدعوى أنها كلام إنشاء»، أقول لك إن هؤلاء (الأساتذة المشرفون) هم من قعدوا بالجامعات والبحوث، وقد عرفنا الجامعات، وعلمنا أساتذتها، ودرينا إشرافهم، إلا أنماطا من الأساتذة الدكاترة، وقليل ماهم!

وأرى أنك سقطت في نحو ما نقمته على د.التوراتي من ناحية الأسلوب؛ من مثل قولك: «تحت إشراف أستاذ ماهر خريت، فأفاد وأجاد، وأخرج السفر المحقق أحسن إخراج، ومنهم من اقتحم العقبة، دون استعداد ولا زاد»، وقولك: «حتى تكون نموذجا لمن يقدم على التحقيق فيتلافاها، ولمن يقدم على دراسة المخطوطات فيتحاشاها»، وقولك: «حتى إذا ذهب يتلمس العلم في ثناياه وجده كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء»، وقولك: «فأثارني ذلك إلى أن ألم شعثها، وأجمع متفرقها»، مع بعدٍ ما بين الأسلوبين كبيرٍ.

ثم تكلم الدكتور -سلمه الله- عن الترجيح بدون مرجح، وقال في ثناياه إن د.التوراتي يعتمد ألفاظ "ويقرب" "ويجوز"، ونقول: والذي يعرفه (البحث العلمي) -حسب تعبير فضيلة الدكتور- أن الإنسان إن قتل وقته بحثا عن شيء، ثم لم يجد له أثرا ولا عيثرا، إلا شُفافة لا تغني في القطع، فله أن لا يقطع، بل عليه ألا يقطع، ويعرض للقارئ ما وصل إليه بدون قطع ولا ترجيح، إن هي إلا انقداحات في النفس من طول البحث والتلبث المكيث، مرة أخرى يا دكتور أردت أن تهجو فمدحتَ!

ثم قلتَ يا دكتور سلمك الله: «أول ما يلاحظ على هذا النص، تكرار لفظ "قرطبة" ثلاث مرات في سطرين، وهو ما قد يغيض علماء القرن العاشر». وأقول لك: وقعت فيما هو أطم وأشنع وأنكى يا دكتور، ويغيظ علماء القرن العاشر والعشرين، بل يغيظ كل من درى حرفا من العربية، ألا تفرق بين الغيض والغيظ؟! ولا تقل هو خطأ من لوحة المفاتيح -التي أظنها أيضا غيظت من هذا- فإن الضاد في اللوحة ليست قريبة من الظاء، وبينهما مفاوز تنقطع فيها أعناق حروف اليَعْمُلات، ويغيض ماء ظهورها...

ثم قلتَ -أبقاك الله- إن إملاء الأحكام بقرطبة في عام 523 هـ، والذي عند د.التوراتي 532، فتنبه -أعزك الله- لمضاغط أصابعك على اللوحة.

ثم ذكر د.الجباري -أبقاه الله- موت ابن العربي رحمه الله مسموما، وقال بعد كلام د.التوراتي: «ويجوز أن يكون قد مات مسموما كما في كتاب الصومعي، ولعله المتعين، والله أعلم». قال دكتورنا الجباري: «فالباحث يرجح أن القاضي ابن العربي مات مسموما». أقول لك أيها الدكتور: راجع عقلك، أو بلفظ أصح: راجع ما غطى على عقلك، وراجع (البحث العلمي) الذي تتبجح به، فإن الباحث إذا قرأ كلام د.التوراتي لا يرجح ما رجحتَه؛ فقد قرر د.التوراتي أن ابن العربي توفي منصرفَه من مراكش، وذكر اسم البُليدة التي توفي فيها، وذكر أنه احتُمل ميتا ودفن بفاس، ثم ذكر شيئا ءاخر وقف عليه عند الصومعي، وصدره بـ"يجوز"، ثم قال: «ولعله المتعين»، فهو عندك بين نارين؛ إما أن يذكر ما وقف عليه، فتصليَه بنار عدم القطع، أو لا يذكره، فتشويَه بنار الاستدراك، كان الله في عونه!

ثم يدلف بنا الدكتور -أعزه الله- إلى مسألة الحشو، وهي مسألة نسبية، بين الأخذ والرد، إن كان رأي الدكتور فيها كما قال، فهو حقيق أن يحترم، ولكن لا يفرضه على غيره، وإن كان سقط فيه أيضا، كما في مقدمته عند الكلام على كتاب شعب الإيمان للقصـري، وعن الكتانيين، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها، وعن الخلفاء الصحابة، وعن مشاهير الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، لكن حشوك هذا من حشو الباذنجان، وحشو د.التوراتي من حشو اللوزنيج، ثمتَ كتبُ علمائنا مليئة بالحشو، وما كتب فخر العربية الجاحظ الذي نفاخر به العالم، ونكاثر به الرمل والحصى عنا ببعيدة، وغيرِه من علمائنا، فلا ندع رأي أسلافنا وعلمائنا إلى رأي ومناهج المستعربين.

وفي مبحث توثيق المعلومة كان الصواب مع د.الجباري في أغلب ما قال، إلا عده خلو الكتاب من جريدة المصادر والمراجع من الكبائر في مجال (البحث العلمي)، وهي ملحوظة -شهد الله- في محلها، وقد ذكرتُها -وغيرَها- للدكتور التوراتي لما صدر الكتاب، ووعد خيرا، غير أن وصف د.الجباري -سلمه الله- لها بالكبائر كدرها.

وفي مبحث قلة التحقيق والتدقيق، ذكر د.الجباري ما نقله د.التوراتي عن الحافظ الشيخ عبد الحي الكتاني -رحمه الله وغفر له- من أن الغزالي تملك بعد تشفُّع، وأخذ عليه تسليمه وإذعانه لها دون تمحيص أو تحقيق، والذي يقال هنا: إن علماءنا عذروا بعضهم فيما هو أشد من هذا، وهو ذكر الحديث الموضوع، فإنهم لم ينقدوا -في الجملة- من ساقه بإسناده، وقرروا أن من أسند فقد برئ، وأن من أحال فقد سلم من التبعة، وأرى أن د.التوراتي ذكر مصدره، وليس هذا من عندياته، فقد برئت ساحته.

وفي مسلك الفَقر في الإحالات، أخذ د.الجباري -سلمه الله- على د.التوراتي قوله: إن للأمد إبرازات ثلاث، وقال: «يجب على "المحقق" أن يحيل على الدارسين الذي قرروا ذلك بعد بحث واستقراء، وإلا فهو مجرد انطباع انقدح في ذهن قائله، وهو أبعد ما يكون عن قواعد البحث والتحقيق». حرتُ والله كيف أرد على هذه، ولا أدري بم أسميها، التوراتي يصدر كلامه بقوله «وقد ظهر لنا»، يعني بعد مقارنة النسخ، ودراستها، ومشاممة أنفاسها، وسمع أجراسها، وأنت تقول له: يجب عليك أن تحيل على الدارسين الذين قرروا ذلك بعد بحث واستقراء، أليس هو باحث مثلهم؟! أم لا يرضيك استقراؤه وبحثه؟! قلها وأرحنا، ثم قلتَ: إنه مجرد انطباع انقدح في ذهن قائله، ولا نختلف معك، ولا أظن التوراتي يختلف معك، ولا ابن العربي يختلف معك، نعم هو انطباع انقدح، يؤيده قول التوراتي: «وقد ظهر لنا»، إلا أنه انقداح من زندِ مُورٍ عايش النسخ، وليس من زندِ صلدٍ يتكلم من علُ، وأزيدك، الأمد الأقصى كتاب أُنُف، ما حام أحد حول حماه، ولا دندن حول مغزاه، إلا شيئا يسيرا، لا يغني فتيلا.

وفي النقطة الثانية من هذا المبحث خصصها د.الجباري -سلمه الله- لما جلبه ابن العربي من كتب في رحلاته، وكان الصواب معه، إلا أنه يمكن أن يرد عليه بأن الدكتور التوراتي ذكر مطلعَ كلامه مصادرَ ترجمة ابن العربي، ومنها أخذ ما أخذ، وهذا نهج يمشـي عليه كثيرون، كأمين الخولي وأبو زهرة...، وكذا يقال عن النقطة الرابعة.

وفي النقطة الثالثة ذكر فيها أن الدكتور التوراتي لم يُحل على مناظرات ابن العربي لأئمة الأشاعرة، وترك القارئ يخوض بحار المتن، وأقول لك: انظر الفهارس فقد خصص فهرسا لهذه المناظرات حتى لا يخوض القارئ بحار المتن.

وفي النقطة الخامسة ذكر -أعزه الله- أن الدكتور التوراتي يلزمه أن يحيل لكل كتاب اتصل بابن العربي بأسانيده، وأنا معك في هذه، وأنبهك إلى خطإ وقعت فيه، وهو قولك: «برنامج أبي عبيد الحجري»، والصواب «ابن عبيد الله الحجري»، كما لا يخفاك، أو كما قد يخفاك.

وفي مبحث نسبة الكتاب، أخذتَ على الدكتور أنه لم يتبع الطريق المسلوك اللاحب الذي يتبعه عامة من يحقق، ولعمري كم كرهتُ هذه للدكتور التوراتي؛ لأنه لم يسلك الجدد المعروف المطروق، في الرسائل الجامعية، والتحقيقات المترادفة المتكاثرة، وأتى بطريقة جديد في إثباتها، كما في ص: 101 وفي ص: 103 من السفر الأول، كم كرهتُها لك يا دكتور التوراتي؛ لأنها صادفت قوما يقولون: إنا وجدنا ءاباءنا.

ومن ناحية المضمون، فقد رأى د.الجباري -سلمه الله- أن دراسة (ترجمة) د.التوراتي لابن العربي هي دراسة (ترجمة) مناقبية بامتياز، وءاية ذلك أنه استدعى بعض أساليب التدليس؛ منها بتره نصا للقاضي عياض، ثم أراد د.الجباري -سلمه الله- أن يستدل لنفسه، فاستدل للدكتور التوراتي من حيث لا يدري ولا يشعر، قال: «عوضهما بنقط حذف»، والتعويض عن المتروك بنقط الحذف إشارة إليه، كما هو معروف في (البحث العلمي)، وليس بترا، ثم إنك ألزمته ما لا يلزمه، وعقدت عليه ما يسهل حله والتنصل منه، فلن يعدم التوراتي جوابا عما حذف، فكان أولى بك -إن كان لا بد لك أن تلززه- أن تسأله عن موجب الحذف، ثم إن ظهر لك أنه لم يوافق ما في نفسك عجتَ عليه بالنقد، ثم الناس كم أكثروا من الطعن على المكثر من الروايات، وقد طُعن على سيدهم الصحابي المكثر أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ثم لا تظن أن القاضي عياضا يطعن في شيخه ابن العربي، إنما هو حاك ما عاشه شيخه، ولو كان ممن يطعن عليه ما استجاز أن يتلمذ له.

ثم نقمتَ -أعزك الله- على د.التوراتي إيراده لكلام ابن عذارى دون القاضي، وقلتَ: «والراجح أنه اعتمد الأخير دون الأول؛ لأنه يفيده في الكتابة المناقبية عن المصنف؛ لأنه عزا عزل القاضي عن منصبه إلى ثورة السفلة، وهيجان الأشرار، لا إلى الطعن في حديثه بعد كثرة غرائبه مما قد يكون سببا في نقصان وقاره، أو غير ذلك مما يستلزمه القاضي»، أقول: خفي عليك وجه إيراد نص ابن عذارى، فطعنتَ على التوراتي، وكذّبتَ ابن عذارى دون أن تحس، والوجه في إيراد ما أورده التوراتي أنه نص دال على أن التولية والصرف من القضاء كان قبل القاضي وبعده، سيرة يسير بها المتولون الشأن، فما اختُص القاضي به وحده، فاطعنْ إذاً على الذين ذكرهم ابن عذارى وهم سبعة، ومنهم الباجي وابن شريح المقرئ وغيرهما، ثم إنه ازور عنك وجه كلام القاضي عياض؛ لأنك فهمتَ عنه أنه عزا عزل ابن العربي إلى كثرة حديثه ومروياته، ونصُّ كلام القاضي: «وولي القضاء مدةً ثم صرف، وكان فهماً نبيلاً، فصيحاً حافظاً أديباً شاعراً كثير الخير مليح المجلس، ولكثرة حديثه وأخباره وغرائب حكاياته ورواياته ما أكثر الناس فيه الكلام وطعنوا في حديثه» هذا نصه في مطبوعة الغنية، وكان الأولى بمحقق الغنية أن يضع نقطة عند نهاية «صرف»، ثم يرجع لأول السطر؛ لأن الكلام ابتدائي، ولو كان ما فهمتَه هو ما أراده القاضي عياض لقال: «ثم صرف... لكثرة ...»، وإلا للزمك أيضا أن تقول: صرف لأنه كان فهما نبيلا فصيحا حافظا أديبا شاعرا كثير الخير مليح المجلس، والقاضي عياض رحمه الله بعد هذا كله قد حصر المسند والمسند إليه في قوله «ولكثرة حديثه... أكثر الناس الكلام فيه وطعنوا في حديثه».

ثم اسمع للدكتور السليماني يقول في دراسته للقانون: «وتتفق كلمة المؤرخين على أنه كان مثال العدل والاستقامة، صُلْباً في الحق، لا تأخذه في الله لومةُ لائم» وقال تلميذ القاضي ابن بشكوال قبله: «استقضى ببلده فنفع الله به أهله لصرامته وشدته، ونفوذ أحكامه، وكانت له في الظالمين سَورة مرهوبة». وقال المقري: «مع الرفق بالمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وانظر أيضا ما كتب في الديباج المذهب، والعبر للذهبي، والمرقبة العليا، ولعل هؤلاء أيضا مدلسون، وعشقوا ابن العربي كما عشقه التوراتي، وإن كنتُ استحييتُ من وصفك ابن العربي بالمعشوق!

واسمع أيضا ما قاله ابن العربي عن نفسه في هذا الباب، (نقلته من دراسة د.السليماني في مقدمة القانون) قال في سراج المريدين عند شرح قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ): «لما علم من قوة نفسه، ورأى من تضييع الحق وتعطيل الحدود، وفساد الخلق في الأرض، ما حمله على إرادة إظهار الحقوق، ففي ذلك إسوة لمن قَدَرَ من نفسه على القيام بالحق أن يَقْبَلَهُ إذا جُعِلَ إليه.

ولقد اقتديت إسوة بذلك، مع أني من أكثر الخلق ذنوباً وعيوباً، وأقلهم منزلةً به، فإني لما دعيت إلى ولاية القضاء قَبِلْتُه مختاراً لثلاثة أوجه:

أحدها: سر ما بيني وبين الله.

والثاني: معاينتي للباطل قد دمّر الأرض، فأردت أن أصلح ما تمكنت منها، من كف الظلم والاعتداء ، وبث الأمن، وحفظ الأموال، وكف الأطماع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفك الأسير، والتحصين على الخلق بالسور، والمساواة في الحق بين الصغير والكبير، فحكمتُ حتي أرِجَت أقْطَارِي، وَرُفِعَ السَّمَر بِأخْبَارِي، فَضَجَّ العُداة، وظهر الولاة حين صَفِر وِطَافُهُم (كذا) من الحرام، وابيضت صحائفهم من الآثام، فَدَسُّوا إليّ نفراً من العامة فثاروا علي، وساروا إليّ، فَنُهِبَت داري، وهم قيام ينظرون، ولا يغيرون ولا ينكرون، فانتشلوا مالي، وهدموا مسجدي وداري...، وتعرضوا لنفسي فَكَفَّ الله أيديهم عني، ولقد وطّنتها على التلف وأنا أنشد لخُبَيْب:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً * عَلَى أيِّ جَنْبٍ كَانَ في الله مَصْرَعِي

وأمسيت سليب الدار، ولولا ما سبق من حسن الأقدار لكنت قتيل الدار.

الثالث: أن الناس كانوا يظنون أن الأرض خالية عن سياسة درب بالخلق، درب بإقامة الحق فأردت أن أكشف لهم عن بنات صدري، وأعلمَهُم كيفية وِرْدِي في الأمر، وفي صحيح الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لِسَمُرَة: " لاَ تَسَل الإمَارَة، فَإِنَّكَ إِنْ سَألْتَهَا لَمْ تُعَنْ عَلَيْهَا، وَإنْ أُعْطِيتَها مِن غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا".

وهذا وإن كان من قول يوسف خبراً عن شريعته، فإن الشـرائع في هذا الباب متماثلة؛ لأنّه من باب التعاطي المذموم في كل ملّة، المناقض للتواضع المحمود في كل دين». انتهى كلامه رحمه الله، وما أشد تدليسه! وما أكثر عشقه لنفسه!

ثم نختم هذه النقطة بالنظر إلى قولك: «والراجح أنه اعتمد الأخير دون الأول، لأنه يفيده في الكتابة المناقبية عن المصنف، لأنه عزا عزل القاضي»، ونذكرك بقولك سابقا:: «أول ما يلاحظ على هذا النص، تكرار لفظ "قرطبة" ثلاث مرات في سطرين، وهو ما قد (يغيض) علماء القرن العاشر». فنقتفي أثرك ونقول نحن أيضا: وأول ما يلاحظ على هذا النص، تكرار لفظ "أنه" ثلاث مرات لكن في سطر واحد، وليس في سطرين، وهو ما قد يغيظ علماء القرن العاشر:

وأول راض سيرةً من يسيرها

ثم ذكر د.الجباري -سلمه الله- منزلقات وأشياء في المنهج المناقبي هي صبيانية وتافهة بحيث قراءتها تدل عليها، منها أنه قال: «أورد في الصفحة نفسها (60) نصا مطولا عن المصنف يبين من خلاله منهجه في تصنيف الأمد الأقصى، واتخذه المحقق عنوانا على نبوغه، ومن تأمل ذلك النص لا يلمس فيه أدنى نبوغ، ويكفي أن منه قول المعافري: "والنظر في معنى الاسم لغة …"، ومعلوم أن الباحث المبتدئ في أي علم يبدأ في التعريف اللغوي للأسماء، فهل نسميه نابغة ورائدا؟»

أقول: كلام ابن العربي هو «النظر في معناه لغة»، وليس كما أثبتَه وتصرفتَ فيه، ولو أنك لم تضعه بين حاجزين لما لـمتك، ولكن لما أشرتَ إلى علامة التنصيص، لزمك أن تأتي بكلامه كما هو، وهذا منك تصرف يمجه (البحث العلمي) الذي تتبجح به وتجر ذيلك بطرا به، ثم إن د.التوراتي عد ثلاثة عشر وجها من دلائل النبوغ، وذكر الدكتور الجباري واحدا، فانظر أيها القارئ الكريم كيف سل واحدا من ثلاثة عشر، ليتأتى له ما يريد، ولتعلم أنه مدلس بارع، وأنه أحق الناس بما يرمي به غيره.

ثم إن التوراتي لم يأت شيئا من لدنه، بل أخذها من كلام ابن العربي نفسه، عند كلامه على الوجه العاشر، في ءاخر السفر الثاني من الأمد، قال: «وهذه سبيل لم نسبق إليها، ولم نزحم عليها، لا تبقي نظرا ولا إلباسا». وأقول: قد بدأ يتأكد عندي شيئا فشيئا أن د.الجباري يحاول -والله أعلم- لمز ابن العربي، ويجمجم بذلك ولا يبديه.

ثم قال د.الجباري تحت نقطة ابن العربي وحكاية الإجماع: «قال "المحقق" التوراتي ص 46: "والأمد من موارد الإجماع التي أغفلها ابن القطان الفاسي في كتابه الإقناع"،وكأنه يعاتب ابن القطان أو يستدرك عليه، ولنا على هذا ملاحظات». ثم ساقها، والدكتور الجباري لم يفهم كلام التوراتي، وينقد كعادته، ولَـمَّا يؤصل لنقده بحسن الفهم أولا، فالتوراتي يقصد أن ورود الاسم في الكتاب والسنة كاف لجعله موضع إجماع؛ لأن ذين محل اتفاق بين العلماء قاطبة، فلا يتصور عالم مخالف لما ورد في الكتاب وصحيح السنة، والحافظ ابن القطان رحمه الله في كتابه الإقناع أورد ما وقف عليه من مواضع الإجماع، وعمله كان قائما على استقراء وجمع مواضعه أينما وجدها بتتبع ونفاذ واستيقاظ، وكم حكى من مواضع إجماع عُلم فيها المخالف، ولكنه إما مخالف ضعيف، أو لم يصح عند ابن القطان كما نبه عليه، وابن العربي قد ذكر في كتابه الأمد إجماعات للأمة، كما تجده عند ذكر القدرة والعلم وغيرها...، أما لم أغفلَ ابنُ القطان إجماعات الأمد، فلا أعرفه أنا، ولم يذكره الدكتور التوراتي، فليجد علينا به الدكتور الجباري سلمه الله، وليتركها منة في عنقنا.

ثم نقول: ولنا عليه فواقر وطامات، فقد قال إن الاجماع لا يعتمد فيه إلا على الحافظ واسع الرواية، ففهم منه بالضرورة أن ابن العربي ليس حافظا ولا واسع الرواية، وقد نسـي أنه قرر قبلُ أن الناس طعنوا عليه لكثرة حديثه وأخباره، وغرائب حكاياته ورواياته، ثم وصفَ ابن العربي بالقصور، وهذه قاصمة الظهر، وقال في نقطة أخرى عند حديثه على ابن العربي ورواية التحديث: إنه حافظ على طريقة الفقهاء، وهذا الكلام كله أخذه أو استوحاه من الشيخ الحافظ المحدث أحمد ابن الصديق رحمه الله وغفر له، ودلس على القراء الكرام بإيراده هكذا غفلا من النسبة، كأنه من عندياته، في حين أنه يشدد الوطأة والنكير على د.التوراتي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

وهذه نقطة أخرى تجرنا إلى الحديث عن الحافظ وشروطه والاختلاف في تعريفه عندهم، ومتى ظهرت هذه التسمية بالحافظ على طريقة الفقهاء، وهل تسلم لابن الصديق، وهل هو في درجة تصلح له أن يحكم على الحافظ ابن العربي، مع ما عرف عنه -رحمه الله وغفر له- من الطعن على من هو أكبر من ابن العربي وأحفظ من ابن العربي، ولتذهب بعدُ الدراسات الأكاديمية و(البحث العلمي) إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، إذا كانت لا تعلمنا إلا التقحم والتجرؤ على الكبار.

وأما تقديمك ابن حجر على ابن العربي رحمهما الله، ففعلة يضحك منها طلاب البيقونية، واستدلالك على أن ابن حجر أكثر من التعقب عليه، وإظهار أخطائه وأوهامه، مردود عليك من أوجه:

* الأول: أتحداك أن تأتي بهذا الإكثار.

* الثاني: لو أتيت به، للزمك أن تسقط غيره ممن تعقبهم ابن حجر، وفيهم كبار.

* الثالث: ذكرتَ إكثار ابن حجر من النقد، ولم تذكر إكثاره من الإشادة بابن العربي والتنويه، و(البحث العلمي) و(العمل العلمي الأكاديمي) يمج هذا ويأباه أيها الدكتور الباحث في الدراسات الإسلامية.

ثم ننبه على خطإ وقع فيه د.الجباري -حفظه الله من نفسه- عند الإحالة على ذكر كتاب في الموضوع، قال إنها في صفحة: 58، والصواب في صفحة: 54، ثم ذكر كتابا ءاخر لابن برجان، وأزيد أنه لو تأمل د.الجباري للحظ بأدنى جهد أن إيراده هذا الكلام ينسف ما قد بناه قبلُ عندما قال إن ترجمة د.التوراتي لابن العربي كانت مناقبية بامتياز.

وفي نقطة الجديد في ترجمة ابن العربي، قال د.الجباري إن التوراتي اعتمد وثيقتين جديدتين؛ «أولاهما تظهر لأول وهلة، والثانية نقلها عن غيره، فنقض بهذا الاعتراف جِدّتها».

وأقول -على أحسن الأحوال-: لا يريد د.الجباري أن يفهم الكلام، فالتوراتي قال عن الوثيقة الثانية: إنها في كتاب الوصول لابن العربي، وهي في نسخة خزانة ابن يوسف، وقال في الحاشية أسفلُ إن د.السليماني ذكرها وأوجز الكلام عليها، وأحال في الصفحة الموالية على دراسة د.السليماني، والناظر فيما عند التوراتي وما عند السليماني يتبين له أن التوراتي ذكر أشياء من هذه الوثيقة لم يذكرها السليماني، مثل خروج والد ابن العربي إلى لبلة، ومثل صاحب المواريث، ومثل رؤيا والد ابن العربي المتعلقة بوفاته وغيرها...، فبان أن د.التوراتي قد وقف على الوثيقة، وأحال إلى من ذكرها قبله -أمانة وإشادة- لمزية السبق.

وباقي ما ذكر د.الجباري -سلمه الله- من ملحوظات حول هذه النقطة، إنما هي بين إلزامات لا تلزم، كقوله: «كان حريا به...»، و«كان أجدى»، أو إشارات خفيفة جدا، كقوله عن تكرار "قد"، والذي يظهر -والله أعلم- في هذه النقطة أن د.الجباري إنما نفِس على د.التوراتي ما استخرجه من بطون الكتب، ويريد التشويش على القراء الكرام.

ثم ختم د.الجباري مقاله (النقدي) ببياضات الدراسة التي قال فيها « كان على الباحث الشاب أن يشمر عن ساعد الجد، وأن يحقق أمورا عديدة في هذه الدراسة»، فلما نظرنا إلى هذه الأمور وجدنا منها موقف ابن العربي من ءال البيت، وهذا أيضا مستوحى من كلام الشيخ أحمد ابن الصديق غفر الله له ورحمه، فإنه من رمى الحافظ ابن العربي بالنصب، وقال عنه أشياء أخرى كبيرة كثيرة، لو أرادها لسردناها له.

وأما قوله عن محاولة حرق السلطان المريني لقبره وعدم اعتناء المغاربة به، فأحيل القراء الكرام على ما قاله ابن مرزوق عن عالم السلاطين المرينين، وأزهدهم وأورعهم وأتقاهم، المشهور بأبي الحسن المريني، قال:«ويكثر بفاس زيارة القاضي أبي بكر ابن العربي» "المسند الصحيح الحسن: 142"، وأحيلهم أيضا على ما قاله الشيخ عبد الحي الكتاني -رحمه الله- أنه لما تزوج المولى إسماعيل لالة خناثة بنت بكار، أمرت عامل فاس الرويسـي ببناء قبره، ففعل، وهي الروضة القائمة الآن، وبالغ في إحكام صنعها وإتقانها والإبداع في ذلك، واستصدرتْ أمر بعلها السلطان فجعل الضـريح روضة أمن وأمان... إلى ءاخر كلامه، وهو في إعلام الحاضر والآت بما في السلوة من الهنات (1/158ق).

وأما قوله عن مكانة ابن العربي في المذهب الأشعري وما يتبعها، فنعم، هي إشارة جيدة منك، تجدها إن شاء الله في كتاب ابن العربي "المتوسط في الاعتقاد" وقد حققه صاحبك د.التوراتي، فانظره على عجالة أيضا تجد ما يشفي غليلك إن شاء الله.

ثم ختم د.الجباري سلمه الله بقوله: «هذه جملة من الهنات والهفوات التي طغت على الدراسة التي قدم بها الباحث الدكتور عبد الله التوراتي مصنف الإمام ابن العربي المعافري، وغيرها لا يخفى على المطلع اللبيب، أوردتها في هذه الإلماعة حتى يكون الباحثون على بينة منها، وتكون هادية لمن يقدم على التحقيق، حتى لا يقع في أمثال هذه الطوام»، وقد بينا أنها -إلا ما ندر- مجرد تسويدات للورق، وتحليات بحلية قريبة من السرَق، كما يقول ابن العربي، وأن الباحثين المقدمين على التحقيق ما حسوا بوجود د.الجباري في الدنيا أصلا، وليته قدم لنا كتابا محققا من صنعته، حتى نقارن بين عمل التوراتي وبين عمله، ويبين الصبح لذي عينين، وتنجلي الغشاوة عن أهل الرين، أما أن يقدم للباحثين كَلاما كِلاما، ويزعم أنه نقد، ثم يزداد زعامة ويقول إنه يكون صوى للباحثين في طريق التحقيق، فقد قال الجاحظ قديما: «عقل المنشئ مشغول، وعقل المتصفح فارغ».

فارجع سعادة الدكتور -أبقاك الله- للمهيع اللاحب، وانقد بإنصاف، يسمع لك الناس، ويلتمسوا لك العذر فيما جانبت فيه الصواب، ثم إن من أول شروط النصيحة هو الستر، فلو أرسلت للدكتور التوراتي ما لحظته على كتابه، حتى إذا لم يقبل منك، فانشره، ولك نيتك إن شاء الله، والآخرة خير وأبقى...

وقد بينا في مقالنا هذا ما كنتَ فيه على صواب، ووافقناك عليه، وإن كنتَ خلطت فيه عملا صالحا وءاخر سيئا، فقعدتَ تحت المثل القائل: لما أنضج أخوك رَمَّد، وبينا ما جانبك فيه الصواب، فأظهرنا لك -إن قبلته منا- وللقراء الكرام الصواب فيه إن شاء الله، ولستُ أزعم بعد كل هذا أن د.التوراتي أو غيره يجل عن النقد، معاذ الله! ومن زعم ذلك فقد أصيبت مقاتله، وأعطى من نفسه للناس نير عنقه، يقودونه كما شاءوا، وينيخونه كيف شاءوا، ويزعجونه -عنه- متى شاءوا.

هذا ما كنت كتبته، ثم اطلعتُ بأخرة على ما كتبه الدكتور الجباري في صفحته على الفايسبوك، فقال فيها عن طبعة الدكتور التوراتي والأستاذ أحمد عروبي إنها طبعة تجارية، فوصف طبعة اعتمدت نسخا ثمانية للتحقيق بالتجارية، وقد نسي في أول مقاله النقدي قوله عنها: «وقد وقفت مؤخرا على كتاب أندلسي قشيب»، ونسي أيضا أنه قال إنه لم يطلع بعدُ على التحقيق، ولم ينظر إلا في الدراسة نظرة عجلى، فلم يصبر حتى أبان عما لا أسميه، فما بقي معه كلام، وعلى التحقيق وأهله السلام.