dimanche 9 juillet 2017

(تخريج أحاديث تحفة الفقهاء)

من الكتب النافعة التي اشتغل بها الفقيه العلامة المحدث محمد المنتصر الكتاني تخريج أحاديث تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي، وشاركه في تخريجها الفقيه العلامة الدكتور وهبة الزحيلي، وقد عُلم عن الأستاذ المنتصر الكتاني احتفاء واعتناء بكتب الحديث وعلومه، وقد كان من أوائل المدرسين لهذه العلوم الشريفة بكلية الشريعة في دمشق، وعُلم عنه دروسه الحديثية في شرح المسند وغيره ببلاد الحرمين الشريفين، وكان لديه ميل ظاهر إلى مدرسة الأثر بالمغرب والأندلس، فنتج عن ذلك كتب مهمة، ما زال غالبها لم ينشر بعد:

الأول: معجم فقه الإمام ابن حزم.

والثاني: معجم فقه السلف.

والثالث: طبقات المحدثين بالمغرب والأندلس.

والرابع: الجامع في سيرة الإمام أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي.

وغيرها من الكتب والأبحاث التي لم يسبقه إلى موضوعها أحد، ولم تكن تدور بخلد من يشتغل بالعلم في زمانه، وهذا هو الذي أهَّله ليشرف على هذا العمل العلمي العظيم، وهو تخريج أحاديث تحفة الفقهاء، وقصد إلى كتاب أُلف في الفقه الحنفي مع ما يشاع من قِبل بعض كَتبة الحديث من ضعف مدارك الأحناف في الحديث والنقد والتنقيد، وابتنائهم لمذهبهم على الرأي والقياس، فكان قصده إلى دحض هذه الفرية التي تناقلها بعض الأغرار من المشتغلين بالحديث، وتميَّز عمله في هذا التخريج بجملة أمور:

أوَّلها: التصريح بمصادره الحديثية والتنقيدية والتعليلية وغيرها، وهو عمل لم يكن يقوم به من اشتغل بهذا اللون من ألوان العلم، بل كان غالب وُكد البعض نقل النصوص دون عزوها إلى أصحابها، ودخل بعض آخر في صنف المستكثرة، وطائفة المتشبعة بما لم تعط، التي ورد فيها الوعيد النبوي؛ لانتحالهم ما ليس لهم، وادعائهم ما ليس في طوقهم ووسعهم، ونهد الشريف الكتاني إلى الدلالة على تلك الموارد التي رجع إليها وأفاد منها، بل ونص في درج كلامه على القائل والمنقول منه، وهذه الخصلة شبه غائبة عن بعض من تعانى هذا العلم الشريف.

ثانيها: الاستدراك على الحفاظ، والتنكيت عليهم، وما كان له ذلك لولا وقوفه على الأسانيد في مظانها، ومعاينته للأصول، ومفاتشته لدواوين أهل الحديث والأثر، وقد رأينا صنيع البعض ممن يقول في تخريجه: أخرجه بقي بن مخلد، وهو إنما رآه في كتب الإمام ابن عبد البر، أو الحافظ ابن حجر؛ فيطوي ذكر واسطته، ويخفي تعيين مصدره.

ثالثها: الحكم على الحديث صحة وضعفا، وقبولا وردا، وهو أمر لم يكن يلتزم به بعض المخرجين، بل كان منهم من يكتفي بسرد موارد الحديث ومظانه دون إشارة إلى صحته أو ضعفه.

رابعها: ولم يكن في هذا التصحيح والتعليل منابذا للأقدمين، بل كان إذا وجد نص حافظ على مرتبة حديث ما ذكر عبارته، وبيَّن ما فيها، ونصَّ على موافقته أو مخالفته.

خامسها: التنبيه على اختلاف النقل عن الترمذي في أحكامه على بعض أحاديث جامعه الكبير، وعدم تطابقها بين النسخ المطبوعة أو القلمية التي بين يدي المؤلف.

سادسها: وفي استدراكه على العلماء كان مراعيا للإنصاف، فحتى جده الإمام الحافظ محمد بن جعفر الكتاني استدرك عليه بعضًا من الأحاديث المتواترة التي كان عليه أن يدرجها في كتابه نظم المتناثر، وهذا يدل على إنصافه ورغبته في خدمة العلم بعيدا عن الأهواء والأغراض.

سابعها: التنبيه على التصحيف الواقع في الكتب المطبوعة، خصوصا في أسماء الرجال وألقابهم وكناهم، وغيرها، وقد رأينا من كان يزعم الحديث وعلومه يصحف في الأسماء تبعا للأصول التي ينقل منها دون بحث ولا نظر.

هذه بعض معالم من هذا التخريج الفريد، والذي يعد مفخرة من مفاخر الشخصية المغربية العالمة، ويلمس الناظر في هذا العمل خِلالا منهجية وأخلاقية غابت عن بعض المنتزين على هذه الصنعة الشريفة، وهي:

الأولى: الدقة والإتقان.

والثانية: الإنصاف.

والثالثة: عفة اللسان.

والرابعة: التواضع.

ولكم تمنينا من عالمنا الفذ وإمامنا الكبير أن ينهض إلى كتاب من كتب أئمتنا المالكية ويقوم بتخريج أحاديثها وآثارها كما صنع في هذا الكتاب، فهو بذلك حقيق، وعليه مقتدر مُطيق.

وفي ختام هاته الكلمة أبشر الإخوة الباحثين المعتنين بالتراث الحديثي دراسة وتحقيقا أننا نشتغل بكتب المحدث العلامة محمد المنتصر الكتاني؛ الحديثية منها على الخصوص.

منها: الجامع في سيرة الإمام بقي بن مخلد رضي الله عنه، وهو كتاب وسيع حفيل لم يؤلف في هذا العصر مثله.

والثاني: كتاب طبقات المحدثين بالمغرب والأندلس، وهو ديوانٌ لم يسبق إليه، ولا حوَّم من حوَّم عليه.

فرحم الله المنتصر الكتاني، ورضي عنه دنيا وآخرة، وجعلنا من العارفين بقدره، والذاكرين لأمره، والحمد لله رب العالمين.